الأطوار ، الدالة على دقيق حكمة الله وقدرته ، وبلطفه بالإنسان.
وظاهر قوله : (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) أن كل أبوين يدعوان بذلك ، فإن حمل على ظاهره قلنا لا يخلو أبواب مشركان من أن يتمنيا أن يكون لهما من الحمل مولود صالح ، سواء نطقا بذلك أم أضمراه في نفوسهما ، فإن مدة الحمل طويلة ، لا تخلو أن يحدث هذا التمني في خلالها ، وإنما يكون التمني منهم على الله ، فإن المشركين يعترفون لله بالربوبية ، وبأنه هو خالق المخلوقات ومكونها ، ولا حظ للآلهة إلّا في التصرفات في أحوال المخلوقات ، كما دلت عليه محاجات القرآن لهم نحو قوله تعالى : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) [يونس : ٣٤] وقد تقدم القول في هذا عند قوله تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) في الأنعام [١].
وإن حمل (دَعَوَا) على غير ظاهره فتأويله أنه مخصوص ببعض الأزواج الذين يخطر ببالهم الدعاء.
وإجراء صفة (رَبَّهُما) المؤذنة بالرفق والإيجاد : للإشارة إلى استحضار الأبوين هذا الوصف عند دعائهما الله ، أي يذكر أنه باللفظ أو ما يفيد مفاده ، ولعل العرب كانوا إذا دعوا بصلاح الحمل قالوا : ربنا آتنا صالحا.
وجملة : (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) مبيّنة لجملة (دَعَوَا اللهَ).
و (صالِحاً) وصف جرى على موصوف محذوف ، وظاهر التذكير أن المحذوف تقديره : (ذكرا) وكان العرب يرغبون في ولادة الذكور وقال تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) [النحل : ٥٧] أي الذكور.
فالدعاء بأن يؤتيا ذكرا ، وأن يكون صالحا ، أي نافعا : لأنهم لا يعرفون الصلاح الحق ، وينذران : لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين.
ومعنى (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) وضمير (جَعَلا) للنفس الواحدة وزوجها ، أي جعل الأبوان المشركان.
و «الشّرك» مصدر شركه في كذا ، أي جعلا لله شركة ، والشركة تقتضي شريكا أي جعلا لله شريكا فيما آتاهما الله ، والخبر مراد منه مع الإخبار التعجيب من سفه آرائهم ، إذ لا يجعل رشيد الرأي شريكا لأحد في ملكه وصنعه بدون حق ، فلذلك عرف المشروك فيه بالموصولية فقيل (فِيما آتاهُما) دون الإضمار بأن يقال : جعلا له شركا فيه : لما تؤذن به