الصلة من فساد ذلك الجعل ، وظلم جاعله ، وعدم استحقاق المجعول شريكا لما جعل له ، وكفران نعمة ذلك الجاعل ، إذ شكر لمن لم يعطه ، وكفر من أعطاه ، وإخلاف الوعد المؤكد.
وجعل الموصول (ما) دون (من) باعتبار أنه عطية ، أو لأن حالة الطفولة أشبه بغير العاقل.
وهذا الشرك لا يخلو عنه أحد من الكفار في العرب ، وبخاصة أهل مكة ، فإن بعض المشركين يجعل ابنه سادنا لبيوت الأصنام ، وبعضهم يحجر ابنه إلى صنم ليحفظه ويرعاه ، وخاصة في وقت الصبا ، وكل قبيلة تنتسب إلى صنمها الذي تعبده ، وبعضهم يسمى ابنه : عبد كذا ، مضافا إلى اسم صنم كما سمّوا عبد العزى ، وعبد شمس ، وعبد مناة ، وعبد يا ليل ، وعبد ضخم ، وكذلك امرؤ القيس ، وزيد مناءة ، لأن الإضافة على معنى التمليك والتعبيد ، وقد قال أبو سفيان ، يوم أحد : «اعل هبل» وقالت امرأة الطفيل لزوجها الطفيل بن عمرو الدوسي حين أسلم وأمرها بأن تسلم «لا نخشى على الصبية من (ذي الشّرى) شيئا» ذو الشرى صنم.
وجملة : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : تنزه الله عن إشراكهم كله : ما ذكر منه آنفا من إشراك الوالدين مع الله فيما آتاهما ، وما لم يذكر من أصناف إشراكهم.
وموقع فاء التفريع في قوله : (فَتَعالَى اللهُ) موقع بديع ، لأن التنزيه عما أحدثوه من الشرك يترتب على ما قبله من انفراده بالخلق العجيب ، والمنن العظيمة ، فهو متعال عن إشراكهم لا يليق به ذلك ، وليس له شريك بحق ، وهو إنشاء تنزيه غير مقصود به مخاطب.
وضمير الجمع في قوله : (يُشْرِكُونَ) عائد إلى المشركين الموجودين لأن الجملة كالنتيجة لما سبقها من دليل خلق الله إياهم.
وقد روى الترمذي وأحمد : حديثا عن سمرة بن جندب ، في تسويل الشيطان لحواء أن تسمي ولدها عبد الحارث ، والحارث اسم إبليس ، قال الترمذي حديث حسن غريب ، ووسمه ابن العربي في «أحكام القرآن» ، بالضعف ، وتبعه تلميذه القرطبي وبيّن ابن كثير ما في سنده من العلل ، على أن المفسرين ألصقوه بالآية وجعلوه تفسيرا لها ، وليس فيه على ضعفه أنه فسّر به الآية ولكن الترمذي جعله في باب تفسير سورة الأعراف من «سننه».
وقال بعض المفسرين : الخطاب في (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) لقريش خاصة ،