كانت وسوسة الشّيطان بقرب نهي آدم عن الأكل من الشّجرة ، فعبّر عن القرب بحرف التّعقيب إشارة إلى أنّه قرب قريب ، لأنّ تعقيب كلّ شيء بحسبه.
والوسوسة الكلام الخفي الذي لا يسمعه إلّا المداني للمتكلّم ، قال رؤبة يصف صائدا :
وسوس يدعو جاهدا ربّ الفلق |
|
سرّا وقد أوّن تأوين العقق |
وسمي إلقاء الشيطان وسوسة : لأنّه ألقى إليهما تسويلا خفيا من كلام كلمهما أو انفعال في أنفسهما. كهيئة الغاش الماكر إذ يخفي كلاما عن الحاضرين كيلا يفسدوا عليه غشّه بفضح مضاره فألقى لهما كلاما في صورة التّخافت ليوهمهما أنّه ناصح لهما وأنّه يخافت الكلام ، وقد وقع في الآية الأخرى التّعبير عن تسويل الشّيطان بالقول : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠] ثمّ درج اصطلاح القرآن وكلام الرّسول عليه الصّلاة والسّلام على تسمية إلقاء الشّيطان في نفوس النّاس خواطر فاسدة ، وسوسة تقريبا لمعنى ذلك الإلقاء للأفهام كما في قوله : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) [الناس : ٤] وهذا التّفصيل لإلقاء الشّيطان كيده انفردت به هذه الآية عن آية سورة البقرة لأنّ هذه خطاب شامل للمشركين وهم أخلياء عن العلم بذلك فناسب تفظيع أعمال الشّيطان بمسمع منهم.
واللّام في : (لِيُبْدِيَ) لام العاقبة إذا كان الشّيطان لا يعلم أنّ العصيان يفضي بهما إلى حدوث خاطر الشرّ في النّفوس وظهور السوآت ، فشبّه حصول الأثر عقب الفعل بحصول المعلول بعد العلّة كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] وإنّما التقطوه ليكون لهم قرّة عين ، وحسن ذلك أن بدوّ سوآتهما ممّا يرضي الشّيطان. ويجوز أن تكون لام العلّة الباعثة إذا كان الشيطان يعلم ذلك بالإلهام أو بالنّظر ، فالشّيطان وسوس لآدم وزوجه لغرض إيقاعهما في المعصية ابتداء ، لأنّ ذلك طبعه الذي جبل على عمله ، ثم لغرض الإضرار بهما ، إذ كان يعلم أنّهما يعصيان الله بالأكل من الشّجرة ، ولمّا كان عدوّا لهما كان يسعى إلى ما يؤذيهما ، ويحسدهما على رضى الله عنهما ، ويعلم أنّ العصيان يفضي بهما إلى سوء الحال على الإجمال ، فكان مظهر ذلك السوء إبداء السوآت ، فجعل مفصّل العلّة المجملة عند الفاعل هو العلّة ، وإن لم تخطر بباله ، ويحتمل أن يكون الشّيطان قد علم ذلك بعلم حصل له من قبل. والحاصل أنّه أراد الإضرار ، لأنّه قد استقرّ في طبعه عداوة البشر ، كما سيصرّح به فيما بعد ، وفي قوله