تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر : ٦].
والإبداء ضدّ الإخفاء ، فالإبداء كشف الشّيء وإظهاره ، ويطلق مجازا على معرفة الشّيء بعد جهله يقال : بدا لي أن أفعل كذا.
وأسند إبداء السوآت إلى الشّيطان لأنّه المتسبّب فيه على طريقة المجاز العقلي والسوآت جمع سوأة وهي اسم لما يسوء ويتعيّر به من النّقائص ، ومن سب العرب قولهم : سوأة لك ، ومن تلهّفهم : يا سوأتا. ويكنّى بالسوأة عن العورة. ومعنى ووري عنهما حجب عنهما وأخفي ، مشتقا من المواراة وهي التّغطية والإخفاء وتطلق المواراة مجازا على صرف المرء عن علم شيء بالكتمان أو التّلبيس.
والسّوآت هنا يجوز أن تكون جمع السوأة للخصلة الذّميمة كما في قول أبي زبيد :
لم يهب حرمة النّديم وحقّت |
|
يا لقومي للسوأة السواء |
فتكون صيغة الجمع على حقيقتها ، والسّوآت حينئذ مستعمل في صريحه ، ويجوز أن تكون جمع السوأة ، المكنى بها عن العورة ، وقد روي تفسيرها بذلك عن ابن عبّاس كقوله تعالى : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) [الأعراف : ٢٦] وعلى هذا فصيغة الجمع مستعملة في الاثنين للتّخفيف كقوله تعالى : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التحريم : ٤]. وسيجيء تحقيق معنى هذا الإبداء عند قوله تعالى بعد هذا : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) [الأعراف : ٢٢].
وعطف جملة : (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما) على جملة (فَوَسْوَسَ) يدلّ على أنّ الشّيطان وسوس لهما وسوسة غير قوله : (ما نَهاكُما) إلخ ثمّ ثنى وسوسته بأن قال ما نهاكما ، ولو كانت جملة : (ما نَهاكُما) إلى آخرها بيانا لجملة (فَوَسْوَسَ) لكانت جملة : (وَقالَ ما نَهاكُما) بدون عاطف ، لأنّ البيان لا يعطف على المبيّن. وفي هذا العطف إشعار بأنّ آدم وزوجه تردّدا في الأخذ بوسوسة الشّيطان فأخذ الشيطان يراودهما. ألا ترى أنّه لم يعطف قوله ، في سورة طه [١٢٠] : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى). فإنّ ذلك حكاية لابتداء وسوسته فابتداء الوسوسة بالإجمال فلم يعيّن لآدم الشّجرة المنهي عن الأكل منها استنزالا لطاعته ، واستزلالا لقدمه ، ثمّ أخذ في تأويل نهي الله إياهما عن الأكل منها فقال ما حكي عنه في سورة الأعراف : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) الآية فأشار إلى