الشّيطان إلى إظهار كيده للنّاس من ابتداء خلقهم ، إذ كاد لأصلهم.
والنّداء بعنوان بني آدم : للوجه الذي ذكرته في الآية قبلها ، مع زيادة التّنويه بمنّة اللّباس توكيدا للتّعريض بحماقة الذين يحجّون عراة. وقد نهوا عن أن يفتنهم الشّيطان ، وفتون الشّيطان حصول آثار وسوسته ، أي لا تمكّنوا الشّيطان من أن يفتنكم ، والمعنى النّهي عن طاعته ، وهذا من مبالغة النّهي ، ومنه قول العرب لا أعرفنّك تفعل كذا : أي لا تفعلن فأعرف فعلك ، لا أرينّك هنا : أي لا تحضرن هنا فأراك ، فالمعنى لا تطيعوا الشّيطان في فتنه فيفتنكم ومثل هذا كناية عن النّهي عن فعل والنّهي عن التّعرّض لأسبابه.
وشبّه الفتون الصّادر من الشّيطان للنّاس بفتنه آدم وزوجه إذ أقدمهما على الأكل من الشّجرة المنهي عنه ، فأخرجهما من نعيم كانا فيه ، تذكيرا للبشر بأعظم فتنة فتن الشّيطان بها نوعهم ، وشملت كلّ أحد من النّوع ، إذ حرم من النّعيم الذي كان يتحقق له لو بقي أبواه في الجنّة وتناسلا فيها ، وفي ذلك أيضا تذكير بأنّ عداوة البشر للشّيطان موروثة ، فيكون أبعث لهم على الحذر من كيده.
و (ما) في قوله : (كَما أَخْرَجَ) مصدريّة ، والجار والمجرور في موضع الصّفة لمصدر محذوف هو مفعول مطلق ليفتننّكم ، والتّقدير : فتونا كإخراجه أبويكم من الجنّة ، فإنّ إخراجه إياهما من الجنّة فتون عظيم يشبه به فتون الشّيطان حين يراد تقريب معناه للبشر وتخويفهم منه.
والأبوان تثنية الأب ، والمراد بهما الأب والأمّ على التّغليب ، وهو تغليب شائع في الكلام وتقدّم عند قوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ) في سورة النّساء [١١]. وأطلق الأب هنا عن الجدّ لأنّه أب أعلى ، كما في قول النّبيء صلىاللهعليهوسلم : «أنا ابن عبد المطّلب».
وجملة : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) في موضع الحال المقارنة من الضّمير المستتر في : (أَخْرَجَ) أو من : (أَبَوَيْكُمْ) والمقصود من هذه الحال تفظيع هيئة الإخراج بكونها حاصلة في حال انكشاف سوآتهما لأنّ انكشاف السوءة من أعظم الفظائع في متعارف النّاس.
والتّعبير عمّا مضى بالفعل المضارع لاستحضار الصّورة العجيبة من تمكّنه من أن يتركهما عريانين.
واللّباس تقدّم قريبا ، ويجوز هنا أن يكون حقيقة وهو لباس جلّلهما الله به في تلك الجنّة يحجب سوآتهما ، كما روي أنّه حجاب من نور ، وروي أنّه كقشر الأظفار وهي