روايات غير صحيحة. والأظهر أنّ نزع اللّباس تمثيل لحال التّسبّب في ظهور السوءة.
وكرّر التّنويه باللّباس تمكينا للتّمهيد لقوله تعالى بعده : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف : ٣١].
وإسناد الإخراج والنّزع والإراءة إلى الشّيطان مجاز عقلي ، مبني على التّسامح في الإسناد بتنزيل السّبب منزلة الفاعل ، سواء اعتبر النّزع حقيقة أم تمثيلا ، فإنّ أطراف الإسناد المجازي العقلي تكون حقائق ، وتكون مجازات ، وتكون مختلفة ، كما تقرّر في علم المعاني.
واللّام في قوله : (لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) لام التّعليل الادّعائي ، تبعا للمجاز العقلي ، لأنّه لمّا أسند الإخراج والنّزع والإراءة إليه على وجه المجاز العقلي ، فجعل كأنّه فاعل الإخراج ونزع لباسهما وإراءتهما سوآتهما ، ناسب أن يجعل له غرض من تلك الأفعال وهو أن يريهما سوآتهما ليتم ادّعاء كونه فاعل تلك الأفعال المضرّة ، وكونه قاصدا من ذلك الشّناعة والفظاعة ، كشأن الفاعلين أن تكون لهم علل غائية من أفعالهم إتماما للكيد ، وإنّما الشّيطان في الواقع سبب لرؤيتهما سوآتهما ، فانتظم الإسناد الادّعائي مع التّعليل الادّعائي ، فكانت لام العلّة تقوية للإسناد المجازي ، وترشيحا له ، ولأجل هذه النّكتة لم نجعل اللّام هنا للعاقبة كما جعلناها في قوله : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) [الأعراف : ٢٠] إذ لم تقارن اللّام هنالك إسنادا مجازيا.
وفي الآية إشارة إلى أنّ الشّيطان يهتم بكشف سوأة ابن آدم لأنّه يسرّه أن يراه في حالة سوء وفظاعة.
وجملة : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) واقعة موقع التّعليل للنّهي عن الافتتان بفتنة الشّيطان ، والتّحذير من كيده ، لأنّ شأن الحذر أن يرصد الشّيء المخوف بنظره ليحترس منه إذا رأى بوادره ، فأخبر الله النّاس بأنّ الشّياطين ترى البشر ، وأنّ البشر لا يرونها ، إظهارا للتّفاوت بين جانب كيدهم وجانب حذر النّاس منهم ضعيف ، فإنّ جانب كيدهم قويّ متمكّن وجانب حذر النّاس منهم ضعيف ، لأنّهم يأتون المكيد من حيث لا يدري.
فليس المقصود من قوله : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) تعليم حقيقة من حقائق الأجسام الخفيّة عن الحواس وهي المسمّاة بالمجرّدات في اصطلاح الحكماء ويسمّيها علماؤنا الأرواح السفليّة إذ ليس من أغراض القرآن التّصدّي لتعليم مثل هذا إلّا ما