له أثر في التّزكية النّفسية والموعظة.
والضّمير الذي اتّصلت به (إنّ) عائد إلى الشّيطان وعطف : (وَقَبِيلُهُ) على الضّمير المستتر في قوله : (يَراكُمْ) ولذلك فصل بالضّمير المنفصل. وذكر القبيل ، وهو بمعنى القبيلة ، للدّلالة على أنّ له أنصارا ينصرونه على حين غفلة من النّاس ، وفي هذا المعنى تقريب حال عداوة الشّياطين بما يعهده العرب من شدّة أخذ العدوّ عدوّه على غرّة من المأخوذ ، تقول العرب : أتاهم العدوّ وهم غارّون.
وتأكيد الخبر بحرف التّوكيد لتنزيل المخاطبين في إعراضهم عن الحذر من الشّيطان وفتنته منزلة من يتردّدون في أنّ الشّيطان يراهم وفي أنّهم لا يرونه.
و (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) ابتداء مكان مبهم تنتفي فيه رؤية البشر ، أي من كلّ مكان لا ترونهم فيه ، فيفيد : إنّه يراكم وقبيله وأنتم لا ترونه قريبا كانوا أو بعيدا ، فكانت الشّياطين محجوبين عن أبصار البشر ، فكان ذلك هو المعتاد من الجنسين ، فرؤية ذوات الشّياطين منتفية لا محالة ، وقد يخول الله رؤية الشّياطين أو الجنّ متشكّلة في أشكال الجسمانيات ، معجزة للأنبياء كما ورد في الصّحيح : «إنّ عفريتا من الجنّ تفلّت عليّ اللّيلة في صلاتي فهممت أن أوثقه في سارية من المسجد» الحديث ، أو كرامة للصّالحين من الأمم كما في حديث الذي جاء يسرق من زكاة الفطر عند أبي هريرة ، وقول النّبيء صلىاللهعليهوسلم لأبي هريرة : «ذلك شيطان» كما في «الصّحيحين» ، ولا يكون ذلك إلّا على تشكل الشّيطان أو الجنّ في صورة غير صورته الحقيقيّة ، بتسخير الله لتتمكّن منه الرّؤية البشريّة ، فالمرئيّ في الحقيقة الشّكل الذي ماهية الشّيطان من ورائه ، وذلك بمنزلة رؤية مكان يعلم أنّ فيه شيطانا ، وطريق العلم بذلك هو الخبر الصّادق ، فلو لا الخبر لما علم ذلك.
وجملة : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا قصد منه الانتقال إلى أحوال المشركين في ائتمارهم بأمر الشّيطان ، تحذيرا للمؤمنين من الانتظام في سلكهم ، وتنفيرا من أحوالهم ، والمناسبة هي التّحذير وليس لهذه الجملة تعلّق بجملة : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ).
وتأكيد الخبر بحرف التّأكيد للاهتمام بالخبر بالنّسبة لمن يسمعه من المؤمنين. والجعل هنا جعل التّكوين ، كما يعلم من قوله تعالى : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [الأعراف : ٢٤] بمعنى خلقنا الشّياطين.