الأرضيّة ، فالسّماء مجموع العوالم العليا وهي مراتب وفيها عوالم القدس الإلهيّة من الملائكة والرّوحانيات الصّالحة النّافعة ، ومصدر إفاضة الخيرات الرّوحيّة والجثمانيّة على العالم الأرضي ، ومصدر المقادير المقدّرة قال تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) [الذاريات : ٢٢] ، فالسّماء هنا مراد بها عالم القدس.
وأبواب السّماء أسباب أمور عظيمة أطلق عليها اسم الأبواب لتقريب حقائقها إلى الأذهان فمنها قبول الأعمال ، ومسالك وصول الأمور الخيريّة الصّادرة من أهل الأرض ، وطرق قبولها ، وهو تمثيل لأسباب التّزكية ، قال تعالى : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ١٠] ، وما يعلم حقائقها بالتّفصيل إلّا الله تعالى ، لأنّها محجوبة عنّا ، فكما أنّ العفاة والشّفعاء إذا وردوا المكان قد يقبلون ويرضى عنهم فتفتح لهم أبواب القصور والقباب ويدخلون مكرّمين ، وقد يردّون ويسخطون فتوصد في وجوههم الأبواب ، مثّل إقصاء المكذّبين المستكبرين وعدم الرّضا عنهم في سائر الأحوال ، بحال من لا تفتح له أبواب المنازل ، وأضيفت الأبواب إلى السّماء ليظهر أنّ هذا تمثيل لحرمانهم من وسائل الخيرات الإلهيّة الروحية ، فيشمل ذلك عدم استجابة الدّعاء ، وعدم قبول الأعمال والعبادات ، وحرمان أرواحهم بعد الموت مشاهدة مناظر الجنّة ومقاعد المؤمنين منها ، فقوله : لا نفتح (لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) كلمة جامعة لمعنى الحرمان من الخيرات الإلهيّة المحضة ، وإن كانوا ينالون من نعم الله الجثمانية ما يناله غيرهم ، فيغاثون بالمطر ، ويأتيهم الرّزق من الله ، وهذا بيان لحال خذلانهم في الدّنيا الحائل بينهم وبين وسائل دخول الجنّة. كما قال النّبيء صلىاللهعليهوسلم : «كلّ ميسّر لمّا خلق له» وقال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) [الليل : ٥ ـ ١٠].
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وعاصم ، وابن عامر ، وأبو جعفر ، ويعقوب : (لا تُفَتَّحُ) ـ بضمّ التّاء الأولى وفتح الفاء والتّاء الثّانية مشدّدة ـ وهو مبالغة في فتح ، فيفيد تحقيق نفي الفتح لهم ، أو أشير بتلك المبالغة إلى أن المنفي فتح مخصوص وهو الفتح الذي يفتح للمؤمنين ، وهو فتح قوي ، فتكون تلك الإشارة زيادة في نكايتهم.
وقرأ أبو عمرو ـ بضمّ التّاء الأولى وسكون الفاء وفتح التّاء الثّانية مخفّفة ـ. وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف لا يفتح ـ بمثنّاة تحتيّة في أوّله مع تخفيف المثنّاة الفوقية مفتوحة ـ على اعتبار تذكير الفعل لأجل كون الفاعل جمعا لمذكّر.