وقوله : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) اخبار عن حالهم في الآخرة وتحقيق لخلودهم في النّار.
وبعد أن حقّق ذلك بتأكيد الخبر كلّه بحرف التّوكيد ، زيد تأكيدا بطريق تأكيد الشّيء بما يشبه ضدّه ، المشتهر عند أهل البيان بتأكيد المدح بما يشبه الذّم ، وذلك بقوله تعالى : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) فقد جعل لانتفاء دخولهم الجنّة امتدادا مستمرا ، إذ جعل غايته شيئا مستحيلا ، وهو أن يلج الجمل في سمّ الخياط ، أي لو كانت لانتفاء دخولهم الجنّة غاية لكانت غايته ولوج الجمل ـ وهو البعير ـ في سمّ الخياط ، وهو أمر لا يكون أبدا.
والجمل : البعير المعروف للعرب ، ضرب به المثل لأنّه أشهر الأجسام في الضّخامة في عرف العرب. والخياط هو المخيط ـ بكسر الميم ـ وهو آلة الخياطة المسمّى بالإبرة ، والفعال ورد اسما مرادفا للمفعل في الدّلالة على آلة الشّيء كقولهم حزام ومحزم ، وإزار ومئزر ، ولحاف وملحف ، وقناع ومقنع.
والسمّ : الخرت الذي في الإبرة يدخل فيه خيط الخائط ، وهو ثقب ضيّق ، وهو بفتح السّين في الآية بلغة قريش وتضمّ السّين في لغة أهل العالية. وهي ما بين نجد وبين حدود أرض مكّة.
والقرآن أحال على ما هو معروف عند النّاس من حقيقة الجمل وحقيقة الخياط ، ليعلم أنّ دخول الجمل في خرت الإبرة محال متعذّر ما داما على حاليهما المتعارفين.
والإشارة في قوله : (وَكَذلِكَ) إشارة إلى عدم تفتّح أبواب السّماء الذي تضمّنه قوله : (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) أي ، ومثل ذلك الانتفاء ، أي الحرمان نجزي المجرمين لأنّهم بإجرامهم ، الذي هو التّكذيب والإعراض ، جعلوا أنفسهم غير مكترثين بوسائل الخير والنّجاة ، فلم يتوخّوها ولا تطلبوها ، فلذلك جزاهم الله عن استكبارهم أن أعرض عنهم ، وسدّ عليهم أبواب الخيرات.
وجملة (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) تذييل يؤذن بأنّ الإجرام هو الذي أوقعهم في ذلك الجزاء ، فهم قد دخلوا في عموم المجرمين الذين يجزون بمثل ذلك الجزاء ، وهم المقصود الأوّل منهم ، لأنّ عقاب المجرمين قد شبّه عقاب المجرمين بعقاب هؤلاء ، فعلم أنّهم مجرمون ، وأنّهم في الرّعيل الأوّل من المجرمين ، حتّى شبّه عقاب عموم المجرمين بعقاب هؤلاء