لهذا كانت جملة (قُلْ كُونُوا حِجارَةً) إلخ غير معطوفة ، جريا على طريقة المحاورات التي بينتها عند قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في سورة البقرة [٣٠].
وإن كان قوله : (قُلْ) ليس مبدأ محاورة بل المحاورة بالمقول الذي بعده ؛ ولكن الأمر بالجواب أعطي حكم الجواب فلذلك فصلت جملة (قُلْ).
واعلم أن ارتباط رد مقالتهم بقوله : (كُونُوا حِجارَةً) إلخ غامض ، لأنهم إنما استبعدوا أو أحالوا إرجاع الحياة إلى أجسام تفرّقت أجزاؤها وانخرم هيكلها ، ولم يعللوا الإحالة بأنها صارت أجساما ضعيفة ، فيرد عليهم بأنها لو كانت من أقوى الأجسام لأعيدت لها الحياة.
فبنا أن نبين وجه الارتباط بين الرد على مقالتهم وبين مقالتهم المردودة ، وفي ذلك ثلاثة وجوه :
أحدها : أن تكون صيغة الأمر في قوله : (كُونُوا) مستعملة في معنى التسوية ، ويكون دليلا على جواب محذوف تقديره : إنكم مبعوثون سواء كنتم عظاما ورفاتا أو كنتم حجارة أو حديدا ، تنبيها على أن قدرة الله تعالى لا يتعاصى عليها شيء. وذلك إدماج يجعل الجملة في معنى التذييل.
الوجه الثاني : أن تكون صيغة الأمر في قوله : (كُونُوا) مستعملة في الفرض ، أي لو فرض أن يكون الأجساد من الأجسام الصلبة وقيل لكم : إنكم مبعوثون بعد الموت لأحلتم ذلك واستبعدتم إعادة الحياة فيها. وعلى كلا الوجهين يكون قوله : (مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) نهاية الكلام ، ويكون قوله : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا) مفرعا على جملة (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا) [الإسراء : ٤٩] إلخ تفريعا على الاستئناف. وتكون الفاء للاستئناف وهي بمعنى الواو على خلاف في مجيئها للاستئناف ، والكلام انتقال لحكاية تكذيب آخر من تكذيباتهم.
الوجه الثالث : أن يكون قوله : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً) كلاما مستأنفا ليس جوابا على قولهم : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) [الإسراء : ٤٩] إلخ وتكون صيغة الأمر مستعملة في التسوية. وفي هذا الوجه يكون قوله : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا) متصلا بقوله : (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) إلخ ، ومفرعا على كلام محذوف يدل عليه قوله : (كُونُوا حِجارَةً) ،