من حجر الصوان ، فالأظهر أنه بآلة الحديد ، ومن الحديد تتخذ السلاسل للقيد ، والمقامع للضرب ، وسيأتي قوله تعالى : (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) في سورة الحج [٢١].
والخلق : يعنى المخلوق ، أي أو خلقا آخر مما يعظم في نفوسكم عن قبوله الحياة ويستحيل عندكم على الله إحياؤه مثل الفولاذ والنحاس.
وقوله : (مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) صفة (خَلْقاً).
ومعنى (يَكْبُرُ) يعظم وهو عظم مجازي بمعنى القوي في نوعه وصفاته ، والصدور : العقول ، أي مما تعدونه عظيما لا يتغير.
وفي الكلام حذف دل عليه الكلام المردود وهو قولهم : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [الإسراء : ٤٩]. والتقدير : كونوا أشياء أبعد عن قبول الحياة من العظام والرفات.
والمعنى : لو كنتم حجارة أو حديدا لأحياكم الله ، لأنهم جعلوا كونهم عظاما حجة لاستحالة الإعادة ، فرد عليهم بأن الإعادة مقدرة لله تعالى ولو كنتم حجارة أو حديدا ، لأن الحجارة والحديد أبعد عن قبول الحياة من العظام والرفات إذ لم يسبق فيهما حلول الحياة قط بخلاف الرفات والعظام.
والتفريع في (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا) على جملة (قُلْ كُونُوا حِجارَةً) أي قل لهم ذلك فسيقولون لك : من يعيدنا.
وجعل سؤالهم هنا عن المعيد لا عن أصل الإعادة لأن البحث عن المعيد أدخل في الاستحالة من البحث عن أصل الإعادة ، فهو بمنزلة الجواب بالتسليم الجدلي بعد الجواب بالمنع فإنهم نفوا إمكان إحياء الموتى ، ثم انتقلوا إلى التسليم الجدلي لأن التسليم الجدلي أقوى ، في معارضة الدعوى ، من المنع.
والاستفهام في (مَنْ يُعِيدُنا) تهكمي. ولما كان قولهم هذا محقق الوقوع في المستقبل أمر النبي بأن يجيبهم عند ما يقولونه جواب تعيين لمن يعيدهم إبطالا للازم التهكم ، وهو الاستحالة في نظرهم بقوله : (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) إجراء لظاهر استفهامهم على أصله بحمله على خلاف مرادهم ، لأن ذلك أجدر على طريقة الأسلوب الحكيم لزيادة المحاجة ، كقوله في محاجة موسى لفرعون (قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء : ٢٥ ـ ٢٦].