والتكريم : جعله كريما ، أي نفيسا غير مبذول ولا ذليل في صورته ولا في حركة مشيه وفي بشرته ، فإن جميع الحيوان لا يعرف النظافة ولا اللباس ولا ترفيه المضجع والمأكل ولا حسن كيفية تناول الطعام والشراب ولا الاستعداد لما ينفعه ودفع ما يضره ولا شعوره بما في ذاته وعقله من المحاسن فيستزيد منها والقبائح فيسترها ويدفعها ، بله الخلو عن المعارف والصنائع وعن قبول التطور في أساليب حياته وحضارته. وقد مثل ابن عباس للتكريم بأن الإنسان يأكل بأصابعه ، يريد أنه لا ينتهش الطعام بفمه بل برفعه إلى فيه بيده ولا يكرع في الماء بل يرفعه إلى فيه بيده ، فإن رفع الطعام بمغرفة والشراب بقدح فذلك من زيادة التكريم وهو تناول باليد.
والحمل : الوضع على المركب من الرواحل. فالراكب محمول على المركوب. وأصله في ركوب البر ، وذلك بأن سخر لهم الرواحل وألهمهم استعمالها.
وأما الحمل في البحر فهو الحصول في داخل السفينة. وإطلاق الحمل على ذلك الحصول استعارة من الحمل على الراحلة وشاعت حتى صارت كالحقيقة ، قال تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) [الحاقة : ١١]. ومعنى حمل الله الناس في البحر : إلهامه إياهم استعمال السفن والقلوع والمجاذيف ، فجعل تيسير ذلك كالحمل.
وأما الرزق من الطيبات فلأن الله تعالى ألهم الإنسان أن يطعم ما يشاء مما يروق له ، وجعل في الطعوم أمارات على النفع ، وجعل ما يتناوله الإنسان من المطعومات أكثر جدا مما يتناوله غيره من الحيوان الذي لا يأكل إلا أشياء اعتادها ، على أن أقرب الحيوان إلى الإنسية والحضارة أكثرها اتساعا في تناول الطعوم.
وأما التفضيل على كثير من المخلوقات ، فالمراد به التفضيل المشاهد لأنه موضع الامتنان. وذلك الذي جماعه تمكين الإنسان من التسلط على جميع المخلوقات الأرضية برأيه وحيلته ، وكفى بذلك تفضيلا على البقية.
والفرق بين التفضيل والتكريم بالعموم والخصوص ؛ فالتكريم منظور فيه إلى تكريمه في ذاته ، والتفضيل منظور فيه إلى تشريفه فوق غيره ، على أنه فضله بالعقل الذي به استصلاح شئونه ودفع الأضرار عنه وبأنواع المعارف والعلوم ، هذا هو التفضيل المراد.
وأما نسبة التفاضل بين نوع الإنسان وأنواع من الموجودات الخفية عنا كالملائكة والجن فليست بمقصودة هنا وإنما تعرف بأدلة توقيفية من قبل الشريعة. فلا تفرض هنا