ومعرفة ثوابه ، وذلك شأن كل صحيفة تشتمل على ما يسر وعلى تذكر الأعمال الصالحة ، كما يطالع المرء أخبار سلامة أحبائه وأصدقائه ورفاهة حالهم ، فتوفر الرغبة في قراءة أمثال هذه الكتب شنشنة معروفة.
وأما الفريق الآخر فسكت عن قراءة كتابهم هنا. وورد في الآية التي قبلها في هذه السورة (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) [الإسراء : ١٣ ـ ١٤].
والظلم مستعمل هنا بمعنى النقص كما في قوله تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [الكهف : ٣٣] ، لأن غالب الظلم يكون بانتزاع بعض ما عند المظلوم فلزمه النقصان فأطلق عليه مجازا مرسلا. ويفهم من هذا أن ما يعطاه من الجزاء مما يرغب الناس في ازدياده.
والفتيل : شبه الخيط تكون في شق النواة وتقدم في قوله تعالى : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) في سورة النساء [٤٩] ، وهو مثل للشيء الحقير التافه ، أي لا ينقصون شيئا ولو قليلا جدا.
وعطف (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) عطف القسيم على قسيمه فهو من حيز «أما» التفصيلية ، والتقدير : وأما من كان في هذه أعمى ، ولما كان القسيم المعطوف عليه هم من أوتوا كتابهم باليمين علم أن المعطوف بضد ذلك يؤتى كتابه بالشمال فاستغني عن ذكر ذلك وأتي له بصلة أخرى وهي كونه أعمى حكما آخر من أحواله الفظيعة في ذلك اليوم.
والإشارة ب (هذِهِ) إلى معلوم من المقام وهو الدنيا ، وله نظائر في القرآن. والمراد بالعمى في الدنيا الضلالة في الدين ، أطلق عليها العمى على وجه الاستعارة.
والمراد بالعمى في الآخرة ما ينشأ عن العمى من الحيرة واضطراب البال ، فالأعمى أيضا مستعار لمشابه الأعمى بإحدى العلاقتين.
ووصف (أَعْمى) في المرتين مراد به مجرد الوصف لا التفضيل. ولما كان وجه الشبه في أحوال الكافر في الآخرة أقوى منه في حاله في الدنيا أشير إلى شدة تلك الحالة بقوله : (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) القائم مقام صيغة التفضيل في العمى لكون وصف (أعمى) غير قابل لأن يصاغ بصيغة التفضيل لأنه جاء بصيغة التفضيل في حال الوصف.
وعدل عن لفظ (أشد) ونحوه ما يتوسل به إلى التفضيل عند تعذر اشتقاق صيغة