ما عدا سيبويه ؛ وإما ظرف لفعل محذوف دل عليه التقسيم الذي بعده ، أعني قوله : (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) إلى قوله : (وَأَضَلُّ سَبِيلاً). وتقدير المحذوف : تتفاوت الناس وتتغابن. وبيّن تفصيل ذلك المحذوف بالتفريع بقوله : (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) إلخ.
والإمام : ما يؤتم به ، أي يعمل على مثل عمله أو سيرته. والمراد به هنا مبين الدين : من دين حق للأمم المؤمنة ومن دين كفر وباطل للأمم الضالة.
ومعنى دعاء الناس أن يدعى يا أمة فلان ويا أتباع فلان ، مثل : يا أمة محمد ، يا أمة موسى ، يا أمة عيسى ، ومثل : يا أمة زرادشت. ويا أمة برهما ، ويا أمة بوذا ، ومثل : يا عبدة العزى ، يا عبدة بعل ، يا عبدة نسر.
والباء لتعدية فعل (نَدْعُوا) لأنه يتعدى بالباء ، يقال : دعوته بكنيته وتداعوا بشعارهم.
وفائدة ندائهم بمتبوعيهم التعجيل بالمسرة لاتباع الهداة وبالمساءة لاتباع الغواة ، لأنهم إذا دعوا بذلك رأوا متبوعيهم في المقامات المناسبة لهم فعلموا مصيرهم.
وفرع على هذا قوله : (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) تفريع التفصيل لما أجمله قوله : (نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) ، أي ومن الناس من يؤتى كتابه ، أي كتاب أعماله بيمينه.
وقوله : (فَمَنْ أُوتِيَ) عطف على مقدر يقتضيه قوله : (نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) أي فيؤتون كتبهم ، أي صحائف أعمالهم.
وإيتاء الكتاب باليمين إلهام صاحبه إلى تناوله باليمين. وتلك علامة عناية بالمأخوذ ، لأن اليمين يأخذ بها من يعزم عملا عظيما قال تعالى : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) [الحاقة : ٤٥] ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من تصدق بصدقة من كسب طيب ـ ولا يقبل الله إلا طيبا ـ تلقاها الرحمن بيمينه وكلتا يديه يمين ...» إلخ ، وقال الشمّاخ :
إذا ما راية رفعت لمجد |
|
تلقاها عرابة باليمين |
وأما أهل الشقاوة فيؤتون كتبهم بشمائلهم ، كما في آية الحاقة [٢٥](وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ).
والإتيان باسم الإشارة بعد فاء جواب (أما) ، للتنبيه على أنهم دون غيرهم يقرءون كتابهم ، لأن في اطلاعهم على ما فيه من فعل الخير والجزاء عليه مسرة لهم ونعيما بتذكر