والركون : الميل بالركن ، أي بالجانب من الجسد واستعمل في الموافقة بعلاقة القرب. وتقدم في قوله : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) في سورة هود [١١٣] ، كما استعمل ضده في المخالفة في قوله تعالى : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) في هذه السورة الإسراء [٨٣].
وانتصب (شَيْئاً) على المفعول المطلق ل (تَرْكَنُ) ، أي شيئا من الركون. ووجه العدول عن مصدر (تَرْكَنُ) طلب الخفة لأن مصدر (تَرْكَنُ) وهو الركون فيه ثقل فتركه أفصح ، وإنما لم يقتصر على (قَلِيلاً) لأن تنكير (شَيْئاً) مفيد التقليل ، فكان في ذكره تهيئة لتوكيد معنى التقليل ، فإن كلمة (شيء) لتوغلها في إبهام جنس ما تضاف إليه أو جنس الموجود مطلقا مفيدة للتقليل غالبا كقوله تعالى : (فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) [النساء : ٢٠].
و (إذن) الثانية جزاء ل (كِدْتَ تَرْكَنُ) ، ولكونها جزاء فصلت عن العطف إذ لا مقتضى له. فركون النبي صلىاللهعليهوسلم إليهم غير واقع ولا مقارب الوقوع لأن الآية قد نفته بأربعة أمور ، وهي : (لو لا) الامتناعية. وفعل المقاربة المقتضي أنه ما كان يقع الركون ولكن يقع الاقتراب منه ، والتحقير المستفاد من (شَيْئاً) ، والتقليل المستفاد من (قَلِيلاً).
أي لو لا إفهامنا إياك وجه الحق لخشي أن تقترب من ركون ضعيف قليل ولكن ذلك لم يقع. ودخلت (قد) في حيز الامتناع فأصبح تحقيقها معدوما ، أي لو لا أن ثبتناك لتحقق قرب ميلك القليل ولكن ذلك لم يقع لأنا ثبتناك.
وجملة (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ) جزاء لجملة (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ). والمعنى : لو تركن إليهم لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات. ولما في (إذن) من معنى الجزاء استغني عن ربط الجملة بحرف التفريع. والمعنى : لقد كدت تركن فلأذقناك.
والضعف ـ بكسر الضاد ـ : مماثل مقدار شيء ذي مقدار ، فهو لا يكون إلا مبينا بجنسه لفظا أو تقديرا مثل قوله تعالى : (مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [النور : ٣٠] ، أي ضعفي ما أعد لتلك الفاحشة. ولما كان كذلك ساغ إطلاقه دون بيان اعتمادا على بيان السياق كما هنا ، فإن ذكر الإذاقة في مقام التحذير ينبئ بأنها إذاقة عذاب موصوف بأنه ضعف.
ثم إن الضعف أطلق هنا على القوي الشديد لعدم حمل الضعف على حقيقته إذ ليس ثمّ علم بمقدار العذاب يراد تضعيفه كقوله : (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) وتقدم ذلك في