والأجل : الزمان المجعول غاية يبلغ إليها في حال من الأحوال. وشاع إطلاقه على امتداد الحياة ، وهو المدة المقدرة لكل حي بحسب ما أودع الله فيه من سلامة آلات الجسم ، وما علمه الله من العوارض التي تعرض له فتخرم بعض تلك السلامة أو تقويها.
والأجل هنا محتمل لإرادة الوقت الذي جعل لوقوع البعث في علم الله تعالى.
ووجه كون هذا الجعل لهم أنهم داخلون في ذلك الأجل لأنهم من جملة من يبعث حينئذ ، فتخصيصهم بالذكر لأنهم الذين أنكروا البعث ، والمعنى : وجعل لهم ولغيرهم أجلا.
ومعنى كون الأجل لا ريب فيه : أنه لا ينبغي فيه : ريب ، وأن ريب المرتابين فيه مكابرة أو إعراض عن النظر ، فهو من باب قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ)[البقرة :٢].
ويجوز أن يكون الأجل أجل الحياة ، أي وجعل لحياتهم أجلا ، فيكون استدلالا ثانيا على البعث ، أي ألم يروا أنه جعل لهم أجلا لحياتهم ، فما أوجدهم وأحياهم وجعل لحياتهم أجلا إلا لأنه سيعيدهم إلى حياة أخرى ، وإلا لما أفناهم بعد أن أحياهم ، لأن الحكمة تقتضي أن ما يوجده الحكيم يحرص على بقائه وعدم فنائه ، فما كان هذا الفناء الذي لا ريب فيه إلا فناء عارضا لاستقبال وجود أعظم من هذا الوجود وأبقى.
وعلى هذا الوجه فوجه كون هذا الجعل لهم ظاهر لأن الآجال آجالهم. وكونه لا ريب فيه أيضا ظاهر لأنهم لا يرتابون في أن لحياتهم آجالا. وقد تضمن قوله : (لَهُمْ أَجَلاً) تعريضا بالمنة بنعمة الإمهال على كلا المعنيين وتعريضا بالتذكير بإفاضة الأرزاق عليهم في مدة الأجل لأن في ذكر خلق السماء والأرض تذكيرا بما تحتويه السماوات والأرض من الأرزاق وأسبابها.
وجملة (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) تفريع على الجملتين باعتبار ما تضمنتاه من الإنكار والتعجيب ، أي علموا أن الذي خلق السماوات والأرض قادر على إعادة الأجسام ومع علمهم أبوا إلا كفورا. فالتفريع من تمام الإنكار عليهم والتعجيب من حالهم.
واستثناء الكفور من الإباية تأكيد للشيء بما يشبه ضده.
والكفور : جحود النعمة ، وتقدم آنفا. واختير «الكفور» هنا تنبيها على أنهم كفروا بما يجب اعتقاده ، وكفروا نعمة المنعم عليهم فعبدوا غير المنعم.