حملنا مع نوح ، مقصودا به تحريضهم على شكر نعمة الله واجتناب الكفر به باتخاذ شركاء دونه.
والحمل وضع شيء على آخر لنقله ، والمراد الحمل في السفينة كما قال : (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) [الحاقة : ١١] أي ذرّيّة من أنجيناهم من الطوفان مع نوح ـ عليهالسلام ـ.
وجملة (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) مفيدة تعليل النهي عن أن يتخذوا من دون الله وكيلا ، لأن أجدادهم حملوا مع نوح بنعمة من الله عليهم لنجاتهم من الغرق وكان نوح عبدا شكورا والذين حملوا معه كانوا شاكرين مثله ، أي فاقتدوا بهم ولا تكفروا نعم الله.
ويحتمل أن تكون هذه الجملة من تمام الجملة التفسيرية فتكون مما خاطب الله به بني إسرائيل ، ويحتمل أنها مذيلة لجملة (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) فيكون خطابا لأهل القرآن.
واعلم أن في اختيار وصفهم بأنهم ذرية من حمل مع نوح ـ عليهالسلام ـ معاني عظيمة من التذكير والتحريض والتعريض لأن بني إسرائيل من ذرية سام بن نوح وكان سام ممن ركب السفينة.
وإنما لم يقل ذرية نوح مع أنهم كذلك قصدا لإدماج التذكير بنعمة إنجاء أصولهم من الغرق.
وفيه تذكير بأن الله أنجى نوحا ومن معه من الهلاك بسبب شكره وشكرهم تحريضا على الائتساء بأولئك.
وفيه تعريض بأنهم إن أشركوا ليوشكن أن ينزل بهم عذاب واستئصال ، كما في قوله : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) [هود : ٤٨].
وفيه أن ذرية نوح كانوا شقين شق بار مطيع ، وهم الذين حملهم معه في السفينة ، وشق متكبر كافر وهو ولده الذي غرق ، فكان نوح ـ عليهالسلام ـ مثلا لأبي فريقين ، وكان بنو إسرائيل من ذرية الفريق البار ، فإن اقتدوا به نجوا وإن حادوا فقد نزعوا إلى الفريق الآخر فيوشك أن يهلكوا. وهذا التماثل هو نكتة اختيار ذكر نوح من بين أجدادهم الآخرين مثل إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ـ عليهمالسلام ـ ، لفوات هذا المعنى في أولئك. وقد ذكر في هذه السورة استئصال بني إسرائيل مرتين بسبب إفسادهم في الأرض