هذا أصل ثان من أصول الشريعة وهو بر الوالدين.
وانتصب (إِحْساناً) على المفعولية المطلقة مصدر نائبا عن فعله. والتقدير : وأحسنوا إحسانا بالوالدين كما يقتضيه العطف على (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أي وقضى إحسانا بالوالدين.
(وَبِالْوالِدَيْنِ) متعلق بقوله ؛ (إِحْساناً) ، والباء فيه للتعدية يقال : أحسن بفلان كما يقال أحسن إليه ، وقد تقدم قوله تعالى : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) في سورة يوسف [١٠٠]. وتقديمه على متعلقه للاهتمام به ، والتعريف في الوالدين للاستغراق باعتبار والدي كل مكلف ممن شملهم الجمع في (أَلَّا تَعْبُدُوا).
وعطف الأمر بالإحسان إلى الوالدين على ما هو في معنى الأمر بعبادة الله لأن الله هو الخالق فاستحق العبادة لأنه أوجد الناس. ولما جعل الله الأبوين مظهر إيجاد الناس أمر بالإحسان إليهما ، فالخالق مستحق العبادة لغناه عن الإحسان ، ولأنها أعظم الشكر على أعظم منة ، وسبب الوجود دون ذلك فهو يستحق الإحسان لا العبادة لأنه محتاج إلى الإحسان دون العبادة ، ولأنه ليس بموجد حقيقي ، ولأن الله جبل الوالدين على الشفقة على ولدهما ، فأمر الولد بمجازاة ذلك بالإحسان إلى أبويه كما سيأتي (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً).
وشمل الإحسان كل ما يصدق فيه هذا الجنس من الأقوال والأفعال والبذل والمواساة.
وجملة (إِمَّا يَبْلُغَنَ) بيان لجملة (إِحْساناً) ، و (إِمَّا) مركبة من (إن) الشرطية و (ما) الزائدة المهيئة لنون التوكيد ، وحقها أن تكتب بنون بعد الهمزة وبعدها (ما) ولكنهم راعوا حالة النطق بها مدغمة فرسموها كذلك في المصاحف وتبعها رسم الناس غالبا ، أي إن يبلغ أحد الوالدين أو كلاهما حد الكبر وهما عندك ، أي في كفالتك فوطّئ لهما خلقك ولين جانبك.
والخطاب لغير معين فيعم كل مخاطب بقرينة العطف على (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وليس خطابا للنبي صلىاللهعليهوسلم إذ لم يكن له أبوان يومئذ. وإيثار ضمير المفرد هنا دون ضمير الجمع لأنه خطاب يختص بمن له أبوان من بين الجماعة المخاطبين بقوله : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) فكان الإفراد أنسب به وإن كان الإفراد والجمع سواء في المقصود لأن خطاب