إن التخلق يأتي دونه الخلق
وهذه أحكام عامة في الوالدين وإن كانا مشركين ، ولا يطاعان في معصية ولا كفر كما في آية سورة العنكبوت.
ومقتضى الآية التسوية بين الوالدين في البر وإرضاؤهما معا في ذلك ، لأن موردها لفعل يصدر من الولد نحو والديه وذلك قابل للتسوية. ولم تتعرض لما عدا ذلك مما يختلف فيه الأبوان ويتشاحان في طلب فعل الولد إذا لم يمكن الجمع بين رغبتيهما بأن يأمره أحد الأبوين بضد ما يأمره به الآخر. ويظهر أن ذلك يجري على أحوال تعارض الأدلة بأن يسعى إلى العمل بطلبيهما إن استطاع.
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة : أن رجلا سأل النبي صلىاللهعليهوسلم من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال : أمك. قال : ثم من؟ قال : ثم أمّك. قال : ثم من؟ قال : ثم أمّك. قال : ثمّ من؟ قال : ثم أبوك».
وهو ظاهر في ترجيح جانب الأم لأن سؤال السائل دل على أنه يسأل عن حسن معاملته لأبويه.
وللعلماء أقوال :
أحدها : ترجيح الأم على الأب وإلى هذا ذهب الليث بن سعد ، والمحاسبي ، وأبو حنيفة. وهو ظاهر قول مالك ، فقد حكى القرافي في الفرق ٢٣ عن مختصر الجامع أن رجلا سأل مالكا فقال : إن أبي في بلد السودان وقد كتب إليّ أن أقدم عليه وأمي تمنعني من ذلك؟ فقال مالك : أطع أباك ولا تعص أمك. وذكر القرافي في المسألة السابعة من ذلك الفرق أن مالكا أراد منع الابن من الخروج إلى السودان بغير إذن الأم.
الثاني : قول الشافعية أن الأبوين سواء في البر. وهذا القول يقتضي وجوب طلب الترجيح إذا أمرا ابنهما بأمرين متضادين.
وحكى القرطبي عن المحاسبي في كتاب «الرعاية» أنه قال : لا خلاف بين العلماء في أن للأم ثلاثة أرباع البر وللأب الربع. وحكى القرطبي عن الليث أن للأم ثلثي البر وللأب الثلث ، بناء على اختلاف رواية الحديث المذكور أنه قال : ثم أبوك بعد المرة الثانية أو بعد المرة الثالثة.