تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا |
|
والموت أكرم نزّال على الحرم |
أخشى فظاظة عمّ أو جفاء أخ |
|
وكنت أخشى عليها من أذى الكلم |
فلتحذير المسلمين من آثار هذه الخواطر ذكروا بتحريم الوأد وما في معناه. وقد كان ذلك في جملة ما تؤخذ عليه بيعة النساء المؤمنات كما في آية سورة الممتحنة. ومن فقرات أهل الجاهلية : دفن البنات. من المكرمات. وكلتا الحالتين من أسباب قتل الأولاد تستلزم الأخرى وإنما التوجيه للمنظور إليه بادئ ذي بدء.
الوجه الثاني : فمن أجل هذا الاعتبار في الفرق للوجه الأول قيل هنالك (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) بتقديم ضمير الآباء على ضمير الأولاد ، لأن الإملاق الدافع للوأد المحكي به في آية الأنعام هو إملاق الآباء فقدم الإخبار بأن الله هو رازقهم وكمل بأنه رازق بناتهم.
وأما الإملاق المحكي في هذه الآية فهو الإملاق المخشي وقوعه. والأكثر أنه توقع إملاق البنات كما رأيت في الأبيات ، فلذلك قدم الإعلام بأن الله رازق الأبناء وكمل بأنه رازق آبائهم. وهذا من نكت القرآن.
والإملاق : الافتقار. وتقدم الكلام على الوأد عند قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) في سورة الأنعام [١٣٧].
وجملة (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ) معترضة بين المتعاطفات. وجملة (إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) تأكيد للنهي وتحذير من الوقوع في المنهي ، وفعل (كانَ) تأكيد للجملة.
والمراد بالأولاد خصوص البنات لأنهن اللاتي كانوا يقتلونهن وأدا ، ولكن عبر عنهن بلفظ الأولاد في هذه الآية ونظائرها لأن البنت يقال لها : ولد. وجرى الضمير على اعتبار اللفظ في قوله (نَرْزُقُهُمْ).
و (الخطء) ـ بكسر الخاء وسكون الطاء ـ مصدر خطئ بوزن فرح ، إذا أصاب إثما ، ولا يكون الإثم إلا عن عمد ، قال تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) [القصص : ٨] وقال : (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) [العلق : ١٦].
وأما الخطأ ـ بفتح الخاء والطاء ـ فهو ضد العمد. وفعله : أخطأ. واسم الفاعل مخطئ ، قال تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [الأحزاب : ٥]. وهذه التفرقة هي سر العربية وعليها المحققون من أئمتها.