ويندرج تحت هذا أنواع كثيرة. منها خلة من خلال الجاهلية ، وهي الطعن في أنساب الناس ، فكانوا يرمون النساء برجال ليسوا بأزواجهن ، ويليطون بعض الأولاد بغير آبائهم بهتانا ، أو سوء ظن إذا رأوا بعدا في الشبه بين الابن وأبيه أو رأوا شبهه برجل آخر من الحي أو رأوا لونا مخالفا للون الأب أو الأم ، تخرصا وجهلا بأسباب التشكل ، فإن النسل ينزع في الشبه وفي اللون إلى أصول من سلسلة الآباء أو الأمهات الأدنين أو الأبعدين ، وجهلا بالشبه الناشئ عن الوحم. وقد جاء أعرابي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن امرأتي ولدت ولدا أسود (يريد أن ينتفي منه) فقال له النبي : «هل لك من إبل؟ قال : نعم. قال : ما ألوانهن؟ قال : ورق. قال : وهل فيها من جمل أسود؟ قال : نعم. قال : فمن أين ذلك؟ قال : لعله عرق نزعه. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم فلعل ابنك نزعه عرق» ، ونهاه عن الانتفاء منه. فهذا كان شائعا في مجتمعات الجاهلية فنهى الله المسلمين عن ذلك.
ومنها القذف بالزنى وغيره من المساوي بدون مشاهدة ، وربما رموا الجيرة من الرجال والنساء بذلك. وكذلك كان عملهم إذا غاب زوج المرأة لم يلبثوا أن يلصقوا بها تهمة ببعض جيرتها ، وكذلك يصنعون إذا تزوج منهم شيخ مسنّ امرأة شابة أو نصفا فولدت له ألصقوا الولد ببعض الجيرة. ولذلك لمّا قال النبي صلىاللهعليهوسلم يوما «سلوني» أكثر الحاضرون أن يسأل الرجل فيقول : من أبي؟ فيقول : أبوك فلان. وكان العرب في الجاهلية يطعنون في نسب أسامة بن زيد من أبيه زيد بن حارثة لأن أسامة كان أسود اللون وكان زيد أبوه أبيض أزهر ، وقد أثبت النبي صلىاللهعليهوسلم أن أسامة بن زيد بن حارثة. فهذا خلق باطل كان متفشيا في الجاهلية نهى الله المسلمين عن سوء أثره.
ومنها تجنب الكذب. قال قتادة : لا تقف : لا تقل : رأيت وأنت لم تر ، ولا سمعت وأنت لم تسمع ، وعلمت وأنت لم تعلم.
ومنها شهادة الزور وشملها هذا النهي ، وبذلك فسر محمد بن الحنفية وجماعة.
وما يشهد لإرادة جميع هذه المعاني تعليل النهي بجملة (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً). فموقع الجملة موقع تعليل ، أي أنك أيها الإنسان تسأل عما تسنده إلى سمعك وبصرك وعقلك بأن مراجع القفو المنهي عنه إلى نسبة لسمع أو بصر أو عقل في المسموعات والمبصرات والمعتقدات.
وهذا أدب خلقي عظيم ، وهو أيضا إصلاح عقلي جليل يعلم الأمة التفرقة بين مراتب الخواطر العقلية بحيث لا يختلط عندها المعلوم والمظنون والموهوم. ثم هو أيضا إصلاح