(وَحْدَهُ) حال من (رَبَّكَ) الذي هو مفعول (ذَكَرْتَ). ومعنى الحال الدلالة على وجود الوصف في الخارج ونفس الأمر ، أي كان ذكرك له ، وهو موصوف بأنه وحده في وجود الذكر ، فيكون تولي المشركين على أدبارهم حينئذ من أجل الغضب من السكوت عن آلهتهم وعدم الاكتراث بها بناء على أنهم يعلمون أنه ما سكت عن ذكر آلهتهم إلا لعدم الاعتراف بها. ولو لا هذا التقدير لما كان لتوليهم على إدبارهم سبب ، لأن ذكر شيء لا يدل على إنكار غيره فإنهم قد يذكرون العزى أو اللات مثلا ولا يذكرون غيرها من الأصنام لا يظن أن الذاكر للعزى منكر مناة ، وفي هذا المعنى قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) [الزمر : ٤٥].
ويحتمل أن المعنى : إذا ذكرت ربك بتوحيده بالإلهية وهو المناسب لنفورهم وتوليهم ، لأنهم إنما ينكرون انفراد الله تعالى بالإلهية ، فتكون دلالة (وَحْدَهُ) على هذا المعنى بمعونة المقام وفعل (ذَكَرْتَ).
ولعل الحال الجائية من معمول أفعال القول والذكر ونحوهما تحتمل أن يكون وجودها في الخارج ، وأن يكون في القول واللسان ، فيكون معنى «ذكرت ربك وحده» أنه موحد في ذكرك وكلامك ، أي ذكرته موصوفا بالوحدانية.
وتخصيص الذكر بالكون في القرآن لمناسبته الكلام على أحوال المشركين في استماع القرآن ، أو لأن القرآن مقصود منه التعليم والدعوة إلى الدين ، فخلو آياته عن ذكر آلهتهم مع ذكر اسم الله يفهم منه التعريض بأنها ليست بآلهة فمن ثم يغضبون كلما ورد ذكر الله ولم تذكر آلهتهم ، فكونه في القرآن هو القرينة على أنه أراد إنكار آلهتهم.
وقوله : (وَحْدَهُ) تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : (أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ) في [الأعراف : ٧٠].
والتولية : الرجوع من حيث أتى. و (عَلى أَدْبارِهِمْ) تقدم القول فيه في قوله تعالى : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) في سورة العقود [المائدة : ٢١].
و (نُفُوراً) يجوز أن يكون جمع نافر مثل سجود وشهود. ووزن فعول يطرد في جمع فاعل فيكون اسم الفاعل على صيغة المصدر فيكون نفورا على هذا منصوبا على الحال من ضمير (وَلَّوْا) ، ويجوز جعله مصدرا منصوبا على المفعولية لأجله ، أي ولوا بسبب نفورهم من القرآن.