وسنة ٨٠٦ ولي حلب الأمير علاء الدين أقبغا الجمالي الهذباني ، عائدا إليها ، فأقام بها أربعين يوما ومات ودفن بتربة أنشأها بسوق الخيل. واستقر في نيابة حلب السيفي دمرداش عائدا إليها.
قتال فارس بن صاحب الباز
وفيها استفحل أمر فارس بن صاحب الباز التركماني ـ أمير التركمان ـ بناحية العمق فاستولى على أنطاكية والقصير ودركوش ، فخرج إليه دمرداش ومعه العساكر الحلبية ووصل إلى جب الحيّات في العمق بين القصير وأنطاكية والتقى الفريقان هناك ، فكسر الأمير دمرداش وقتل من عسكره وأمرائه جماعة وعاد إلى حلب بكرة عيد الأضحى ، وقوي أمير التركمان جدا. ثم جمع دمرداش العسكر وتوجه إلى أنطاكية لقتاله ، وكتب إلى الأمير علي باك بن دلغادر ، وإلى أحمد بن رمضان مقدّمي التركمان في البلاد يستنجدهما عليه ، فوافياه وهو على أنطاكية وابن صاحب الباز بها ومعه الأمير جكم. فأقام العسكر عليها مدة فلم يظفروا بطائل ورجعوا عنه خائبين.
واستفحل أمره وعظم خطره واستولى على البلاد الغربية بأسرها ووصل إلى جبل سمعان ، وتوجه إليه من حلب جماعة أقاموا عنده لأجل إقطاعاتهم ، واستولى على جانب من بلاد طرابلس كصهيون وصار له من باب الملك إلى صهيون وأطراف بلد سرمين. وبقي نواب حلب ليس لهم حكم في تلك البلاد بالكلية وصاروا كالمحصورين ، فإن هذه البلاد التي استولى عليها هي التي كانت عامرة من أعمال حلب وهي : أنطاكية والقصير والشّغر ودير كوش وحارم وبغراس والحلقة وسائر أعمالها وبرزيه وصهيون واللاذقية وجبلة وتلك النواحي ، وعجز النواب عن دفعه ، للخلف بينهم وقلة العساكر فيهم ، وصار ابن صاحب الباز في عسكر عظيم إلى أن قدّر الله كسره على يد جكم حينما تولى نيابة حلب ، فاستنقذ منه البلاد وأراح منه العباد ، ثم تبعه إلى أنطاكية وقطع جسر الحديد ونزل شرقيّه واستمر يحاصره أياما ، ثم شرع في حفر نهر لتحويل العاصي إليه ففر التركماني إلى جهة القصير ، وتبعه الأمير «جكم» بمن معه حتى حاصره في قلعة هناك فطلب الأمان فأعطاه فنزل ، ثم سلمه إلى عدو له فقتله. وكان على شجاعة عظيمة محبا للخير ، بنى بحضرة سيدي حبيب النجار بأنطاكية مدرسة.