على خيمته فركب نور الدين مسرعا وساق [فرسه](١) ورجله في السنجة (٢) ، فنزل كردي وقطعها ، وقتل الكردي ونجا نور الدين فأحسن إلى مخلّفيه ووقف لهم أوقافا. ثم سار نور الدين إلى بحيرة حمص ونزل عليها وتلاحق به من سلم من المسلمين.
سنة ٥٥٩ أخذ قلعة حارم :
فيها أخذ نور الدين قلعة حازم من الإفرنج وقتل وأسر منهم كثيرا. وكان من جملة الأسرى البرنس صاحب أنطاكية ، والقومص صاحب طرابلس. وفيها سار نور الدين إلى بانياس وأخذها من الفرنج وكانت بأيديهم من سنة ٥٤٣ وفي سنة ٥٦٢ عصى غازي بن حسان صاحب منبج على نور الدين ، فسير إليه عسكرا أخذوها منه وأقطعها نور الدين قطب الدين نيال بن حسان ، أخا غازي المذكور ، فبقي فيها إل أن أخذها منه صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة ٥٧٢.
وفي سنة ٥٦٣ أقام نور الدين بقلعة الرها مدة ثم عاد منها إلى حلب وضربت خيمته في رأس الميدان الأخضر وكان مولعا بضرب الكرة وربما دخل الظلام فلعب بها بالشموع. وكان صلاح الدين الأيوبي يركب بكرة كل يوم لخدمة نور الدين في لعب الكرة لأن صلاح الدين كان عارفا بآدابها.
وفي سنة ٥٦٥ كانت زلزلة عظيمة خربت بلاد الشام لا سيما حلب ، فقد فعلت بها ما لم تفعله بغيرها ، وبلغ الرعب بمن نجا من أهلها كل مبلغ فكانوا لا يقدرون على أن يأتوا إلى بيوتهم السالمة خوفا من الزلزلة ، فإنها عاودتهم غير مرة ، ولا أن يقيموا بظاهر حلب خوفا من الفرنج. ثم إن نور الدين قام بعمارة القلاع والأسوار من غير حلب ، وبعده جاء إلى حلب وباشر عمارتها بنفسه وكان يقف على البنائين بشخصه حتى أحكم عمارتها. وأما الفرنج فإن الزلزلة أثرت في بلادهم أشد تأثيرا من بلاد الإسلام فاجتهدوا في تعميرها واشتغل كل من المسلمين والفرنج بعمارة بلاده عن صاحبه.
__________________
(١) زدنا هذه الكلمة بين مربعين ليستقيم المعنى.
(٢) كذا. وفي الكامل لابن الأثير ج ١١ : «الشبحة»! والهاء في «رجله» تعود على الفرس الذي ركبه نور الدين عجلا. وكانت رجل الفرس مقيدة بحبل ، فلما قطعه الكردي انطلق الفرس ونجا نور الدين بنفسه.