بحيث بيعت عدة بنات بأكلهن إلى أن أتى الحصاد وأقبل الخير. وكانت السنة مخصبة وبيع رطل الخبز بأربع وعشرين بارة وشنبل الحنطة بعشرين قرشا. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب مصطفى مظهر باشا الشيروزي.
وفي سنة ١٢٦٣ حصل في حلب وباء عظيم وكثرت الوفيات حتى ضاق النهار على الجنائزية وصاروا يشتغلون في الليل ، والتزم الناس البيوت خوفا من أن يدرك أحدهم الأجل وهو خارج عن بيته. وفي سنة ١٢٦٤ ولي حلب كامل باشا وفيها حضر إلى حلب نامق باشا رئيس العسكر وأحصى عدد أهلها الذكور دون الإناث ، فبلغ عددهم نحوا من ستين ألفا. وفي سنة ١٢٦٥ وليها مصطفى ظريف باشا وفيها شحّت المياه وجفّ قويق وعين التل والعين البيضاء. ثم في شتائها وقع مطر غزير وطغى قويق وارتفع حتى غطّى قنطرة باب طاحون جبل النهر. وفي هذه السنة أسست دائرة إحصاء النفوس في حلب.
الفتنة المعروفة بقومة حلب :
هذه حادثة عظيمة لم يحدث بعدها من الثورات الأهلية في حلب أعظم منها. وكان حدوثها في عشية ليلة اليوم الثاني من عيد الأضحى سنة ١٢٦٦ وامتدت وقائعها إلى نحو اليوم الخامس عشر من شهر محرم سنة ١٢٦٧.
أسباب هذه الفتنة :
اختلف الناس في أسباب هذه الفتنة. فقال بعضهم : سببها فرس اغتصبها عبد الله بك البابنسي ـ متسلّم حلب ـ من يوسف باشا شريف زاده فقام أتباع الثاني على الأول للانتقام منه ، وانتقلت القضية من طور خاص إلى طور عام ، وجرى على مدينة حلب وأهلها ما جرى.
قلت : حدثني عبد القادر بك بن يوسف باشا المومأ إليه ـ وهو أدرى الناس بماجريات هذه الحادثة وأعظمهم وقوفا على أسرارها ، لأن والده أحد بطلي روايتها كما ستعرفه ـ أن قصة الفرس كانت على غير هذه الصورة ، وأن قضيتها لم تكن سببا لهذه الفتنة بل سببها الحقيقي غير هذا. قال : وأما قضية الفرس فحقيقتها أن عبد الله بك كان يملك فرسا أصيلا معدودا في وقته من عتاق الخيل يعرف باسم (صقلاوية ابن سودان)