وكان علي بك ـ ابن أخي يوسف باشا ـ مولعا بالخيول الأصائل ، فطلب من عمه أن يستخلص له هذا الفرس من عبد الله بك هبة أو شراء ، فلم تسمح نفس عبد الله بك أن يهبه أو يبيعه كله بل وهب عليا نصفه وقاده إليه بطوعه ورضاه. وصادف إذ ذاك أن عباس باشا ـ الذي صار خديوي مصر بعد عمه إبراهيم باشا ـ كان مولعا بالخيول العربية ، قد أرسل إلى سائر الجهات التي توجد فيها الخيول رسلا جمعوا له منها عددا عظيما حتى استصفى منها أجناسا كثيرة من عتاق الخيل في بلاد حلب وصحاريها ، وكان عبد الله بك معروفا عند المصريين لأنه كان متسلم حلب أيام دولتهم فيها ، فطلب رسول عباس من عبد الله بك فرسه الذي وهب نصفه لعلي بك ، فطلب عبد الله بك من يوسف باشا ـ عمّ علي بك ـ أن يبيعه النصف الآخر من الفرس أو يهبه إياه فأخذه يوسف باشا من ابن أخيه وقدّمه إلى عبد الله بك بطوعه واختياره ، وهو قدّمه إلى رسول عباس باشا هدية. فلما وصل إليه أنعم على عبد الله بك بسيف مرصع وعباءة وسرج مزركش. قال عبد القادر بك : وقد رأيت السرج المذكور تحت عبد الله بك وهو يتجول على فرسه في أثناء الحادثة التي نحن في صدد الكلام عليها.
قلت : وحدثني غير واحد في بيان أسباب هذه الفتنة حديثا طويلا خلاصته : أن عشيرة من عشائر البادية المخيمة في جهات الجبّول تمردت في هذه السنة ١٢٦٦ على الحكومة وامتنعت عن أداء ما عليها من الضرائب فندب الوالي لإخضاعها يوسف باشا ، وقصدها في عدد كبير من الجند والأتباع فلم يفلح وعاد بالفشل ، فندب الوالي إليها عبد الله بك فقصدها وليس معه سوى ستة نفر من أتباعه ، غير أنه ما كاد يصل إلى مضارب العشيرة حتى أحدق به رجالها وأنزلوه ومن معه عن خيولهم وشدوا وثائقهم وطرحوا الحديد في أرجلهم وعاملوهم معاملة الأسراء. واتصل الخبر بالوالي فأمر بتجهيز حملة قوية للتنكيل بتلك العشيرة وقبل أن تخرج الحملة من حلب نمي خبرها إلى العشيرة فارتاعت واضطربت فسكّن عبد الله بك روعها وقال لشيوخها : لا بأس عليكم فكّوا القيد عن كاتبي وأنا أكفيكم بطش هذه الحملة. ففكوا القيد عن كاتبه فأمره عبد الله بأن يكتب على لسانه إلى قائد الحملة كتابا أرسله مع ساع خصوصيّ يقول له فيه : إن العشيرة قد طاعت ودفعت ما عليها من المرتبات فلم يبق لتجريد الحملة عليها من لزوم.
ثم إن العشيرة فكت القيود عن عبد الله بك وعن أتباعه وتداركت جمع ما عليها من