المركوبلي على ما أبداه من الرأي والإشارة إلى هدم زابوقي (١) سوق الذراع وسوق الباطية لقطع الطريق على النار منعا لها من الوصول إلى سوق العطارين ، فإنها لو اتصلت به لانعدمت حلب حرقا وهدما ، لما اشتمل عليه هذا السوق من أنواع البضائع الملتهبة كالبارود والنفط والسّندروس (٢) والزفت والقير وغير ذلك ، بحيث كان فيه من هذه البضائع قناطير مقنطرة.
وقد اختلف الناس في أسباب هذا الحريق العظيم : فمنهم من قال إنه مفتعل من الحكومة بقصد التمكن بعده من توسيع هذه الأسواق لأنها كانت غاية في الضيق. ومنهم من زعم أن السبب نار تركها بعض الصاغة في كانونه ، فطارت منها شرارة على مفرش فيها وعلقت (٣). والله أعلم بحقيقة الحال. وفي الساعة السابعة والدقيقة العاشرة من الليلة الخامسة عشرة من جمادى الأولى ابتدأ القمر بالخسوف وكمل انجلاؤه في الساعة العاشرة والدقيقة العاشرة. وفي هذه السنة كان تشكيل كثير من أقضية حلب وألويتها.
ميت عاش :
في رمضان هذه السنة توفي لرجل يقال له الشيخ محمد ـ من سكان محلة مستدام بك في حلب ـ ولد صغير عمره ثمانية أعوام ، فجهز وحمل إلى المقبرة ، وبينما الحمالون سائرون به لم يشعروا إلا وقد تحرك وأخذ بالبكاء. فرجعوا به إلى بيت أبيه وعاودته الصحة. وفيها كان الشتاء شديدا والمطر غزيرا ، ولا سيما في شباط ، فقد طغت فيه الأنهار وضجر الناس من كثرة المطر والثلج والجليد والبرد القارس. وفي أواخر محرّم سنة ١٢٨٥ وصل إلى حلب واليا عليها ناشد باشا. وفي اليوم الرابع عشر صفر خرج الوالي مع الهيئة المرتبة لترميم القناة وكاشفوا أحوالها ورتبوا عملها. وقد تكلمنا على ما كان منه في قناة حلب عند الكلام عليها في الجزء الأول فراجعه.
وفيها صدرت إرادة سنية بجواز زرع التبغ بشرط أن يأخذ الزرّاع رخصة من إدارة الرسومات. وفيها أمر الوالي بتوسيع حجرة الميقاتي بإضافة حجرة أخرى إليها على باب
__________________
(١) الزابوق : الزقاق الصغير الضيّق. والكلمة عامية.
(٢) نوع من الصمغ ، وهو من المفردات الطبية.
(٣) أي التهبت واشتعلت. والكلمة بهذا الاستعمال عامية.