ركوب جمال باشا بالعظمة والأبهة :
ومن خشونة أخلاق جمال باشا ـ التي زادته في القلوب نفرة ـ أنه كان يركب في البلد لبعض شؤونه فيحف به عدد وافر من الفرسان المسلحين يسيرون على صورة رهيبة كأنهم في بلد عصى أهلها على الدولة أو خرجوا عن طاعتها ، فكان الناس يقولون نحن لا نحتاج إلى إرهاب لأننا مطيعون للدولة مخلصون بمحبتها ، والأولى بجمال باشا أن يسير بهذه المواكب تجاه أعداء الدولة إرهابا لهم لأنهم أولى منا بالإرهاب.
انهماكه في المعاصي :
ومما نفّر عنه القلوب انهماكه في الملذات وإرصاده لنفسه ـ في كل بلدة ينزلها من بلاد سوريا وفلسطين ـ عاهرة يواصلها ويصرف عليها النقود الكثيرة. وربما استقضته مصالح هامة تجني من ورائها المبالغ الطائلة. ولا يخفى على المتبصر ما يجرّ هذا الانهماك من فساد أخلاق الضباط والجنود الذين هم تحت إمرته على حد قول الشاعر :
إذا كان ربّ البيت للطبل ضاربا |
|
فلا تلم الصبيان يوما على الرقص |
تسلط المأمورين على التجار وأخذ الذهب منهم بالورق :
ومن التعديات الفظيعة تسلّط المأمورين العديمي الإنصاف من كل صنف ـ خصوصا الشرطة ورجال الدرك ـ على التجار وفقراء الباعة ، بتكليفهم إياهم أن يبيعوا منهم بضائعهم بعملة من الورق النقدي على أسعار النقود المعدنية الذهبية والفضية ، وأن يسددوا ما يزيد لهم من قيمة الورقة بنقود معدنية على السعر المعتبر عند الحكومة. مثلا يشتري شرطي رطل خبز من امرأة فقيرة بثلاثين قرشا ـ حسب تنبيه الحكومة ـ فيدفع لها ورقة نقدية سعرها عند الحكومة مائة قرش ، وسعرها في التجارة ثلاثون قرشا ، فيكلفها أن تقطع عليه ثلاثين قرشا ـ وهي قيمة الخبز ـ وتدفع له الباقي وهو سبعون قرشا نقودا معدنية ، فتخسر سبعين قرشا وهو مبلغ يستغرق جميع رأسمالها. وكان الكثير من الضباط والمأمورين العثمانيين يكلفون التجار بأن يصرفوا لهم الورق النقدي بالنقود الذهبية رأسا برأس ، فإذا امتنع التاجر عن إجابة طلبهم أهانوه وهددوه. وكان الناس يخافون من الضباط خوفا شديدا لأن كل واحد منهم مستبد بعمله مع الرعية يمكنه أن يتصرف بهم كيفما شاء.