تصدع أصواتهم شمّ الجبال ، وتمطر على أولي العواطف الشريفة وابل الوبال والنكال.
كتاب «قوم جديد» :
ومن منفّرات قلوب المتعصبين للدين ـ من الرعايا المسلمين العثمانيين ـ كتاب ألفه رجل يقال له الشيخ عبيد الله باللغة التركية سماه «قوم جديد» أتى فيه بأمور لا يرضاها الحريصون على معتقداتهم الدينية. وكان نشر هذا الكتاب قبل الحرب بمدة قليلة ، أي كان نشره في الوقت الذي يجب فيه نشر كتاب ديني ترضاه الخاصة وتقبل عليه العامة ، ويصحح اعتقادهم بصلاح دولتهم وصدق إسلاميتها وتعصبها للدين وأهله. ويقال إن هذا الكتاب كان من أكبر العوامل التي زعزعت اعتقاد مسلمي الهند في الدولة العثمانية وجعلتهم يشكّون في صدق إسلاميتها قائلين : لو لا تشوه إسلاميتها لما كانت ترضى بطبع هذا الكتاب وتسعى بنشره.
كتاب سيرة النبي :
ومن الكتب التي هي من هذا القبيل كتاب تكلم فيه صاحبه عن السيرة النبوية ، ترجمه من اللغة الفرنسية (١) إلى اللغة التركية ، أثبت في مقدمته شمائل وحالات للنبي عليه السلام ينكرها التاريخ ويكفّر الدين من يعتقد صحتها. ثم تكلم على شيء من سيرته عليه السلام فطوى منها كل ما يدل على روحانيته وكونه موحى إليه.
هذا التركي الذي ترجم هذا الكتاب ـ ونقله عن مؤلف أجنبي عن الدين ـ إما أن يكون اطلع على شيء من كتب السيرة النبوية التي تعد بالمئات ؛ وهي من تأليف علماء المسلمين المجمع على صدقهم وسعة اطلاعهم وعلوّ مداركهم ، وإما أن يكون غير مطلع على شيء من تلك الكتب. فإن كان مطلعا فكيف يسوغ له عقلا ـ فضلا عن الدين ـ أن يعدل عما قالته وسطرته علماء الدين الصادقين المدقّقين (٢) إلى كتاب ألفه رجل أجنبي عن الدين ، لم يستند في كتابه إلى نقل ولا رواه عن ثقة. وإن كان غير مطلع على شيء من تلك الكتب ، أي كتب السيرة النبوية ، ولا يعلم أنه يوجد منها غير الكتاب
__________________
(١) في الأصل : «الفرسية».
(٢) الصواب : «الصادقون المدققون» وهما صفتان للفاعل «علماء».