فهرب منه نوري باشا ، واستقر هو في عينتاب وصفا له الوقت وسلك سنن من قبله من الظلم والعسف ، حتى أسف الناس على نوري باشا. ولما عيل صبرهم منه هجموا على ولده الذي كان بيده مقاليد أموره وقتلوه شر قتلة وتخلصوا من جوره. ولما سمع بذلك نوري باشا اغتنم الفرصة وحشد أخلاطا من التركمان وقصد عينتاب وحصرها ، وقطع طريق حلب وصار ينهب الأموال ويقتل النفوس.
واتصل خبره بالدوله فعينت درويش عبد الله بك عزت بك زاده ، فمشى نحوه بالعساكر الوفيرة واتفق في هذه البرهة أن مر بتلك الأطراف ككى عبدي باشا قائد الجيش السلطاني وكان معزولا من مصر ، فدخل عليه نوري باشا واستشفع به للدولة ، فضمن له العفو بشرط أن يكون بمعيته. وكان عبد باشا متوجها إلى ديار بكر فتوجه نوري باشا معه وأقام بها إلى أن توفي عبدي باشا. وعندها خرج نوري باشا من ديار بكر وعاد إلى فساده وقصد عينتاب ، واتفق مع زمرة السادات واستولى على اليكجرية وأحرق دورهم ونهب أموالهم ، ثم حصن القلعة وأقام بها كالمتحصن لأنه خاف عاقبة فعله ، إلى أن كتبت الدولة إلى كور مصطفى باشا بالمسير عليه في السنة المتقدم ذكرها ، فتوجه نحوه وحاصره في القلعة خمسة أشهر إلى أن ظفر به وقتله مع جماعة من حاشيته وقطع رؤوسهم وأرسلها إلى حلب ومنها إلى استانبول. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب عثمان باشا. وفي سنة ١٢٠٧ وقع في حلب قحط وغلاء.
صلح اليكجرية مع أهل حلب :
وفي سنة ١٢٠٨ ولي حلب عبد الله باشا عظم زاده ، وكانت شرور اليكجرية فيها قد عظمت ، واستبدوا بالأمور حتى لم يبق للوالي حكم نافذ وكان ضعيفا. فولت الدولة حلب سليمان فيضي باشا وشرطت عليه إصلاح البلد من غير إقامة حرب. فحضر إلى حلب وأحضر إليه كبراء اليكجرية وتلطف بهم وعاهدوه على الراحة والسكون ونذر عليهم نذورا ثقيلة لأهل حلب إن نكثوا العهد ، فلم يمض غير أيام قلائل إلا ونبذوا العهود وهجموا بلا سبب ظاهر على محمد أفندي غوري زاده وشتموه وضربوه ضربا مبرحا ، وعادوا إلى ما كانوا عليه ومدوا أيديهم للأرزاق الواردة إلى حلب من خارجها ، فخافهم الوالي وخرج إلى ظاهر حلب بوسيلة أنه يريد تبديل الهواء ، ثم أرسل إليهم رجلا من خاصته ذا نجدة