أو يموت. وقد هلك بهذه الحمى من الحلبيين عدد غير قليل. أما من مات بها من الأرمن فهم كثيرون جدا وقد بلغت الوفيات منهم في اليوم الواحد في أقصى اشتداد هذا المرض زهاء مائة وعشرين نفسا.
وما زال هذا المرض يفتك في الأرمن والحلبيين والعساكر العثمانيين وباقي الأغراب في حلب إلى السنة الرابعة من سني هذه الحرب ، وحينئذ خفت وطأته فقلّ عدد المصابين به وقلّت وفياتهم ، وكان أكثرهم يبرأ منه غير أن آثاره ما زالت باقية في حلب إلى ما بعد انتهاء الحرب. على أن الأرمن بعد أن قل عددهم في حلب مدة سنة ـ وهي السنة الثالثة من سني الحرب ـ أعادت الحكومة في السنة الرابعة إلى حلب من كان منهم في جهات حماة والزور ، فازدحمت بهم حلب مرة ثانية وقدر عددهم ـ بعد دخول الدولة العربية إلى حلب ـ بنحو ستين ألف نسمة.
وفي أثناء وجود جالياتهم في حلب كان الحلبيون على اختلاف مللهم يعطفون عليهم ولا يقصّرون بالإحسان إليهم ، وقد اتخذ من نسائهم بعض المسلمين زوجات شرعيات ، ومنهم من اتخذ منهن خادمات لم يمسّوا شرفهن ، بل بعض المسلمين استخدموا صغارهن وعنوا بتربيتهن كما يعتنون بتربية بناتهم.
غلاء البضائع الأجنبية :
وفي هذه السنة بدأت البضائع الأجنبية ترتفع أسعارها حتى ارتفع سعر البعض منها عشرة أضعاف عما كان عليه قبل هذه الحرب ، وذلك كالسكّر والقهوة ، وأنواع الحديد والقزدير ، وجميع أنواع الأقمشة والغزل ، والعقاقير الطبية والبترول والمسكرات. وكان سبب هذا الارتفاع انقطاع ورود هذه المواد من البلاد الأجنبية لوقوف الحركة التجارية في البحار. وقد تنبهت أفكار بعض التجار لهذا الأمر فاحتكروا من هذه البضائع شيئا كثيرا وباعوه أخيرا بثلاثين أو أربعين ضعفا من ثمنه الذي اشتروه به ، فكان ذلك سبب اعتنائهم. وكان حظ تجار حلب من هذه الأرباح أوفر جدا من حظوظ تجار باقي البلاد السورية وغيرها. وحكمة ذلك أن حلب كان يوجد فيها من هذه البضائع قبل هذه الحرب مالا يوجد في غيرها ، كأنها كانت لهذه البضائع مستودعا تستمد منه سوريا والأناضول.