سنة ٣٥٦ وفاة سيف الدولة وبقية حوادث دولته في حلب :
فيها مات سيف الدولة بحلب ونقل إلى ميّافارقين. وهو أول من ملك حلب من بني حمدان ، أخذها من ابن سعيد الكلابي نائب الإخشيد كما تقدم. وملك البلاد بعده ابنه أبو المعالي سعد الدولة شريف. وفي ربيع الآخر سنة ٣٥٧ قتل الحارث أبو فراس الحمداني ابن عم سيف الدولة ، كان مقيما بحمص فجرى بينه وبين أبي المعالي بن سيف الدولة وحشة وطلبه أبو المعالي فانحاز إلى «صدد» من قرى حمص فأرسل أبو المعالي عسكرا مع قرعويه إلى صدد وكبسوه وقتلوه.
وفي سنة ٣٥٨ دخل ملك الروم الشام بلا ممانع ، وسار إلى طرابلس وأحرق حمص وكان أهلها أخلوها. وأقام بالشام شهرين وأتى على الساحل نهبا وتخريبا وملك ثمانية عشر منبرا وعاد بالأسرى والأموال. وفيها استولى قرعويه على حلب وأخرج ابن أستاذه أبا المعالي فأقام عند والدته بميافارقين ثم بحماة. وفي سنة ٣٥٩ ملك الروم أنطاكية بالسيف وقتلوا أهلها وسبوا عشرين ألف صبي وصبية وقصدوا حلب فتحصن قرعويه بالقلعة وملكوا المدينة ، وكان أبو المعالي محاصرا حلب فتباعد عنهم. ثم حصروا القلعة فخرج إليهم جماعة من الحلبيين. وتوسطوا الصلح واستقر الأمر على هدنة مؤبدة على مال يحمله قرعويه إلى الروم وعلى ألّا يمكّن أهل القرى من الجلاء ليبتاع منهم الروم لوازمهم إذا مروا عليهم في الغزوات ، وكان مع حلب حماه وحمص وكفر طاب والمعرة وأفامية وشيزر وما بين ذلك من الحصون والقرايا. وسلّم الحلبيون الرهائن إلى الروم وعاد الروم عن حلب وتسلمها المسلمون.
وفيها صالح قرعويه ابن أستاذه أبا المعالي وخطب له. وكان أبو المعالي بحمص وخطب هو وقرعويه بحلب للمعز العلوي صاحب مصر. وفي سنة ٣٦٢ حدث في بلاد الشام زلزال هدم الحصون من أنطاكية وغيرها وهلك به خلق كثير. وفي سنة ٣٦٦ قوي أمر بكجور بحلب ، وكان استنابه مولاه قرعويه فاستفحل أمره وقبض على مولاه قرعويه وحبسه في القلعة. فكتب أهل حلب إلى أبي المعالي ، وكان مقيما في حماة. فسار إلى حلب وحصر قلعتها أربعة أشهر ثم ترددت الرسل بين أبي المعالي وبكجور ، واستقر الصلح بينهم على أن يكون بكجور أمينا ويوليه أبو المعالي حمص. فاستلم أبو المعالي القلعة وسيّر بكجور إلى حمص كما اتفقا.