السلطان بإشخاصهم إلى حلب للاهتمام بالأسباب الواقية من تطرق هذا المرض إلى حلب من البلاد التي ظهر فيها في الولاية وغيرها. فأوعز هؤلاء الأطباء إلى البلدية بأن تعزز وسائط النظافة وتلتفت إلى الفواكه المضرّة فتمنع بيعها ، وأن تعمر على كل حوض مكشوف في المساجد وغيرها جدارا يمنع تناول الماء من الحوض رأسا منعا للتلويث ، بل يكون تناول الماء من الحوض بواسطة مبذل (١).
فقامت البلدية بجميع ما أمرها به الأطباء ، ولكن مع هذا كله ما برح هذا المرض يفتك في النفوس حتى أوائل تشرين الثاني من سنة ١٣١٩ إلا أنه كان خفيف الوطأة بحيث لم تزد وفياته اليومية في شدّة بحرانه (٢) على خمسين نسمة. ثم إنه بعد أيام تقلص ظلّه من إدلب وعينتاب وبيره جك وإسكندرونة وحماة وحمص وطرابلس الشام وبقية بلاد سورية ، ورفعت عنها مناطق الحجر الداخلية والخارجية وعادت مياه الصحة إلى مجاريها. وفيها ـ في حادي عشر تشرين الثاني ـ هطلت أمطار غزيرة على عينتاب وضواحيها ، فحملت منها السيول على قرية «تنب» القريبة من عينتاب وأتت على قرباط هناك تحت بيوت الشعر فأغرقت منهم ثلاثة وعشرين إنسانا وثلاثة حمير وثلاث رمكات (٣). وبعد أن انحسر الماء عن ذلك الموضع التقطت جثث الغرقى ودفنت.
وفاة علي محسن باشا :
وفي أول يوم من شوال هذه السنة توفي في حلب الفريق علي محسن باشا ابن كل حسن باشا ، أحد ياوري (٤) السلطان عبد الحميد ، ووكيل القائد العام فوق العادة في حلب وأطنة (آذنة) وضواحيهما. أمضى في حلب نحو خمس عشرة سنة. وحينما حضر إليها كان برتبة القائممقام ، ثم حاز رتبة الفريق ، ثم في حادثة الزيتون صار وكيل القائدية العامة المذكورة ليكون واقفا لحوادث الأرمن بالمرصاد ، وهي وظيفة وقتية ألغيت بعد انقلاب الحكومة العثمانية إلى الحكومة الدستورية. وكان علي محسن باشا جوادا كريما حلو الشمائل
__________________
(١) كذا في الأصل «مبذل» بالذال ، خطأ ، وإنما هو بالزاي «مبزل» والمراد به هنا الصنبور أو ما يسمى «بالحنفية». وسيذكر أيضا بصيغة الجمع في كلام المؤلف على حوادث سنة ١٣٣٥ ه تحت عنوان : «قلة الماء في حلب ...».
(٢) أي في أوج حدّته وقوة فتكه.
(٣) الرمكة : نوع من الخيول يتخذ للنّسل.
(٤) الياور : لفظة أخذها الأتراك عن الفرس ، ومعناها : المساعد والمعاون.