والضرب. فعمل الوالي برأيه واختار واحدا من وجهاء اليكجرية ودعاه إليه بالرفق واللطف ـ وهو إبراهيم آغا ابن خلاص ـ وجعل كلما حضر عنده يكرمه ويتودد إليه ويدنيه من مجلسه ويعده بما يسرّه. وما زال يعامله هذه المعاملة الحبيّة حتى تأكد أن إبراهيم آغا أيقن أن محبة الوالي إياه محبة صادقة لا يشوبها غش ولا يشينها تدليس. وحينئذ عمل الوالي وليمة في تكية الشيخ أبي بكر دعا إليها بواسطة إبراهيم آغا ثمانية عشر شخصا من كبراء اليكجرية وزعمائهم ، وصار كلما حضر واحد منهم يدخل إلى التكية على انفراده ويقطع رأسه ويوضع على طرف الحوض حتى أبادهم جميعا. وكان من جملتهم صفيّه وحبيبه إبراهيم آغا ابن خلاص.
ويحكى أن أحد المقتولين في هذه الوليمة الدموية كان ينصح إبراهيم آغا ويحذره من غدر الوالي ، ويذكر له أن ما يراه منه من التودد والمحبة هو محض خداع وتغرير ، فكان إبراهيم لا يلتفت إلى كلامه ويقول له : إن حضرة الوالي يحبني محبة خالصة. فلما كان يوم تلك الوليمة المشؤومة كان آخر من أدخل للتكية وقدم للقتل ذلك الناصح النبيه. وكان إبراهيم آغا واقفا بين يدي الوالي فأقبل ناصحه على الوالي وقبّل الأرض بين يديه وسأله : هل في نيتك قتل هذا الحمار؟ وأشار إلى إبراهيم آغا ، فأجابه الوالي بقوله (هاي هاي) أي نعم نعم ، فقال له : أرجوك أن تقتله قبلي حتى أرى رأسه بين هذه الرءوس فيطيب طعم الموت عندي ثم تقتلني. فأمر الوالي بقطع رأس إبراهيم آغا فقطع ووضع على طرف الحوض ، وحينئذ تقدم الناصح المذكور إلى الجلاد وقال له : الآن طاب الموت. ولوى عنقه فضربه. وكان آخر قتلاء هذه الضيافة الحافلة. ثم إن الوالي جعل يتتبع زعماء هذه الطائفة ويقتلهم بعد أن يصادر أموالهم بالتعذيب القاسي ، حتى استقصى أكثرهم.
عزل قاضي حلب :
وفي أوائل جمادى الأولى من هذه السنة وهي سنة ١٢٢٨ عزل قاضي حلب عزّت زاده دلى أمين أفندي. وسبب ذلك أنه كان يعامل أشراف البلدة ووجهاءها معاملة العامة ، وربما عامل الوالي على هذا النمط. وكان الوالي يتحمله تكريما لعلمه وفضله ويصبر عليه لانقضاء مدته العرفية. لكنه لما كان في بعض الأيام نهر القاضي بالمفتي ووكزه في رأسه