دماء كثيرة. ثم انجلت الوقعة عن كسرة الحلبيين وانهزامهم ، ودخل الوزراء الثلاثة المدينة وضبطوها بعد أن دام حصارهم أياها نحوا من أربعة أشهر. وهو آخر حصار جرى على مدينة حلب إلى يومنا هذا ، وقد ظفر الوزراء الثلاثة بسبعة من رؤساء الثائرين قطعوا رؤوسهم وجهزوها إلى استانبول مع تحرير مشترك منهم ، فوصلت إلى الباب العالي في أوائل جمادى الأولى وصارت موجبة للمسرة الزائدة وأرسل لكل واحد من الوزراء فروة سمّور ، ولخورشيد باشا خنجر مرصع.
غير أن هذه الحادثة كانت قد شاعت في استانبول وكثر بها لغط الناس ، ودار على الألسن أن سببها ظلم حاشية خورشيد باشا وفسادهم. ولذا اضطرت الدولة لكشف الحقيقة وإزالة الشبهة ، وعينت لذلك رجلا يقال له مصطفى نظيف أفندي كاملي زاده وأرسلته إلى حلب للتحقيق ، فوصل إليها بعد أن ضبطها الوزراء بيومين ، ونزل في محل قريب من تكية الشيخ أبي بكر ، وكان بينه وبين خورشيد عداوة قديمة ، فكتب للدولة أن سبب الحادثة المذكورة هو ظلم جماعة الوالي وارتكابهم الرشوة وانهماكهم في المعاصي وما في معنى ذلك. كما أن خورشيد باشا كتب للدولة بأن نظيف أفندي رجل مفسد محرك للسواكن ، له أغراض فاسدة يحاول الوصول إليها بزمرة من المفسدين الذين يترددون إليه ، وما في معناه. ولما وصل الكتابان للباب العالي رأوهما متضادين فنبذوهما ظهريا.
غريبة :
حكى شاني زاده في تاريخه ـ والعهدة عليه ـ قال : لما انتهت هذه الحادثة وصار الوالي يأمر بقتل الرجال ، قياما بواجب السياسة ، جاء أحد المأمورين في هذا الشأن إلى صالح آغا قوج متسلّم حلب من قبل الوالي وقال له : سيدي ، مساء أمس الماضي تنازع أحد الفقراء الذين يصنعون الكراسي مع واحد من عساكر الدراويش المولوية بسبب مشلح ، فحبس الفقير وعند المساء أدخل إلى محبس الدم وأصبح ميتا. وفي صبيحة هذا اليوم جاءت زوجته ومعها أربعة أيتام لباب الوالي وقدمت له عريضة تذكر فيها أنها محتاجة لعشاء ليلة فهي تسترحم أن يعطوها ما وجد على زوجها المقتول من الثياب لتبيعها وتنفقها على أيتامه.
فأخذت منها العريضة وقدّمتها للوالي ، وعندما بينت له الكيفية أسف للغاية ورقّ للمرأة ورثى لحالها وأحسن إليها بنصف كيس من الذهب.