قلنا : معناه إن ينتهوا عن عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومحاربته يغفر لهم ما قد سلف من ذلك ، وإن يعودوا إلى قتاله وعداوته فقد مضت سنة الأولين منهم الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر ، أو فقد مضت سنة الذين تحزّبوا على أنبيائهم من الأمم الماضية.
وقيل معناه : إن ينتهوا عن الكفر بالإيمان يغفر لهم ما قد سلف من الكفر والمعاصي ، كما قال النبي ، عليه الصلاة والسلام : «الإسلام يجبّ ما كان قبله». وإن يعودوا إلى الكفر بالارتداد بعد ما أسلموا فقد مضت سنة الأولين من الأمم من أخذهم بعذاب الاستئصال.
[٣٦٦] فإن قيل : الفائدة في تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهرة ، وهي زوال الرعب من قلوب المؤمنين وتثبيت أقدامهم وزيادة اجترائهم على القتال ، فما فائدة تقليل المؤمنين في أعين الكفار حتى قال الله تعالى : (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) [الأنفال : ٤٤] مع أن في ذلك زوال الرعب من قلوب الكافرين وتثبيت أقدامهم واجترائهم على القتال؟
قلنا : فائدته أن لا يستعد الكفار كل الاستعداد ، فيجترئوا على المؤمنين معتمدين على قلتهم ، ثم تفجئهم الكثرة فيدهشوا ويتحيروا ، وأن يكون ذلك سببا يتنبه به المشركون على نصرة الحق إذا رأوا المؤمنين مع قلتهم في أعينهم منصورين عليهم.
وفي التقليل من الطرفين معارضة تعرف بالتأمل.
[٣٦٧] فإن قيل : قوله تعالى : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال : ٤٦] يدل على حرمة المنازعة والجدال أيضا ؛ لأنه منازعة ، فكيف تجوز المناظرة وهي منازعة وجدال؟
قلنا : المراد بالمنازعة هنا ، المنازعة في أمر الحرب والاختلاف فيه ، لا المنازعة في إظهار الحق بالحجّة والبرهان. والدليل عليه أن ذلك مأمور به.
قال الله تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥] ؛ ولكن للجواز شروط يندر وجودها في زمننا هذا ، أحدها أن يكون كل المقصود منها ظهور الحق على لسان أيّ الخصمين ، كما كانت مناظرة السلف ؛ وعلامة ذلك أن لا يفرح بظهور الحق على لسانه أكثر مما يفرح بظهوره على لسان خصمه.
[٣٦٨] فإن قيل : كيف قال إبليس (إِنِّي أَخافُ اللهَ) [الأنفال : ٤٨] وهو لا يخاف الله ، لأنه لو خافه لما خالفه ثم أضل عبيده؟
قلنا : قال قتادة : صدق عدوّ الله في قوله : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) [الأنفال : ٤٨] يعني جبريل والملائكة عليهمالسلام معه نازلين من السماء لنصرة المسلمين يوم بدر ، وكذب في قوله : (إِنِّي أَخافُ اللهَ) [الأنفال : ٤٨]. والله ما به مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوة له بهم.