وقيل : لما رأى نزول الملائكة على صورة لم يرها قط خاف قيام الساعة التي هي غاية إنظاره ، فيحل به العذاب الموعود.
وقيل : معنى أخاف الله : أعلم صدق وعده لنبيه بالنصر ، وقد جاء الخوف بمعنى العلم ، ومنه قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) [البقرة : ٢٢٩]. ويحتمل عندي أن يكون خاف أن يحل به من الملائكة ما دون الإهلاك من الأذى إذ لم يخف الإهلاك.
ثم ، أقول : كيف تؤخذ عليه كذبة واحدة ، وهو أفسق الفسقة ، وأكفر الكفرة ؛ فلا عجب في كذبه وإنما العجب في صدقه!
[٣٦٩] فإن قيل : أي مناسبة بين الشرط والجزاء في قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال : ٤٩].
قلنا : لما أقدم المؤمنون وهم ثلاث مائة وبضعة عشر على قتال المشركين وهم زهاء ألف متوكلين على الله ، وقال المنافقون : غرّ هؤلاء دينهم حتى أقدموا على ثلاثة أمثالهم عددا أو أكثر. قال الله تعالى ردّا على المنافقين وتثبيتا للمؤمنين (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) [الأنفال : ٤٩] ، أي غالب يسلط القليل الضعيف على الكثير القوي وينصره عليه ، حكيم في جمع أفعاله.
[٣٧٠] فإن قيل : كيف قال (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [الأنفال : ٥١] ولم يقل ليس بظالم ، وهو أبلغ في نفي الظلم عن ذاته المقدسة؟
قلنا : قد سبق هذا السؤال وجوابه في سورة آل عمران.
[٣٧١] فإن قيل : قوله عزوجل : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال : ٥٣] وذلك إشارة إلى إهلاك كفار مكة وآل فرعون ولم تكن لهم حال مرضية غيروها؟
قلنا : كما تغير الحال المرضية إلى المسخوطة تغير الحال المسخوطة إلى أسخط منها وأسوأ ، وأولئك كانوا قبل بعث الرسول إليهم عباد أصنام ، فلما بعث الرسول صلىاللهعليهوسلم إليهم بالآيات البينات فكذبوه وعادوه وسعوا في قتله غيروا حالهم إلى أسوأ منها ، فغير الله تعالى ما أنعم به عليهم من الإمهال وعاجلهم بالعذاب.
[٣٧٢] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنفال : ٥٥] بعد قوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٥٥]؟
قلنا : مراده أن يبين أن شر الكفار الذين كفروا واستمروا على الكفر إلى وقت الموت.