قلنا : هو نهي بصيغة النفي كقوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) [البقرة : ١٩٧].
الثاني : قال ابن عباس ، رضي الله عنهما ، هي منسوخة بقوله تعالى : (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ).
الثالث : أن المراد بقوله : (يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ) الآية ، الاستئذان في التخلف عن الجهاد من غير عذر ، وكذا المراد بالآية التي بعدها ، وبقوله : (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) إباحة الاستئذان في التخلف عن الأمر الجامع لعذر فلا نسخ لإمكان العمل بالآيتين ؛ لأنّ محل الحكم مختلف ، وهو وجود العذر وعدمه.
[٣٨٩] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) [التوبة : ٤٦] أخبر أنهم أمروا بالقعود ، وذمهم على القعود والتخلف عن الخروج للجهاد والاستئذان في القعود؟
قلنا : ليس في الآية ما يدل على أن الله تعالى هو الآمر لهم ، فقيل : الآمر لهم بذلك هو الشيطان بالوسوسة والتزيين.
الثاني : أن بعضهم أمر بعضا.
الثالث : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال لهم ذلك غضبا عليهم.
الرابع : أنه أمر توبيخ وتهديد من الله تعالى لهم كقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠] يعضده قوله تعالى : (مَعَ الْقاعِدِينَ) أي مع النساء والصبيان والزمنى الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت.
[٣٩٠] فإن قيل : إذا كان الله تعالى علم أن المنافقين لو خرجوا مع المؤمنين للجهاد ما زادوهم إلا خبالا : أي فسادا ، ولأوضعوا خلالهم ، أي ولأسرعوا السعي بينهم بالنمائم ، فكيف أمرهم بالخروج مع المؤمنين؟
قلنا : أمرهم بالخروج لإلزامهم الحجة ولإظهار نفاقهم.
[٣٩١] فإن قيل : قوله تعالى : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) [التوبة : ٥٣] يدل على أن الفسق يمنع قبول الطاعات؟
قلنا : المراد بالفسق هنا الفسق بالكفر والنفاق لا مطلق الفسق ، وذلك محبط للطاعات ومانع من قبولها ؛ ويعضده قوله عزوجل : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ) [التوبة : ٥٤] الآية.
[٣٩٢] فإن قيل : لم عدل في آية الصدقات عن اللام إلى «في» في المصارف الأربعة الأخيرة؟