قلنا : للتنبيه على أنهم أقوى في استحقاق الصدقة ممن سبق ذكره ؛ لأن «في» للظرفية والوعاء ، فنبه بها على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مصبا لها ، لما ورد في فك الرقاب من الكتابة أو الرق أو الأسر وفي فك الغارمين عن الدين من التخليص والإنقاذ ، ولجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر ومثل هذه العبادة الشاقة ، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال ، ولا يرد المؤلفة قلوبهم ؛ لأن بعضهم كفار وبعضهم مسلمون ضعيفو النية في الإسلام ، فكيف يعارض بهم من ذكرنا ، أو لأن الله تعالى علم أن وجوب إعطائهم سينسخ ، فلذلك جعلهم في القسم المقدم الذي هو أضعف.
[٣٩٣] فإن قيل : لم كرر «في» في الأربعة الأخيرة ولم يكرر اللام في الأربعة الأولى؟
قلنا : للتنبيه على ترجيح استحقاق المصرفين الأخيرين على الرقاب والغارمين من جهة أن إعادة العامل تدل على مزيد قوة تأكيد كقولك مررت بزيد وبعمرو.
[٣٩٤] فإن قيل : لم عدّى فعل الإيمان إلى الله تعالى بالباء وإلى المؤمنين باللام في قوله تعالى : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) [التوبة : ٦١]؟
قلنا : لأنه قصد التصديق بالله الذي هو ضد الكفر به ، فعدّاه بالباء ، كما يعدّى ضده بها ، وقصد التسليم والانقياد للمؤمنين فيما يخبرون به لكونهم صادقين عنده ، فعداه بما يعدّى به التسليم والانقياد ، ويعضده قوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) [يوسف : ١٧] وقوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) [البقرة : ٧٥] وقوله تعالى : (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) [يونس : ٨٣] وقوله تعالى : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [الشعراء : ١١١] وأما قوله تعالى : (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) [طه : ٧١] فمشترك الدلالة ؛ لأنه قال في موضع آخر (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) [الأعراف : ١٢٣]. وقال ابن قتيبة ، في الجواب عن أصل السؤال : إن الباء واللّام زائدتان ، والمراد بالإيمان التصديق ، فمعناه يصدّق الله ويصدّق المؤمنين.
[٣٩٥] فإن قيل : قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها) [التوبة : ٦٣] يدل على تخليد أصحاب الكبائر في النار ؛ لأن المراد بالمحادة المخالفة والمعاداة؟
قلنا : قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا) خبر عن المنافقين الذين سبق ذكرهم ، فيكون المراد به المحادة بالكفر والنفاق ، وذلك موجب للتخليد في النار.
[٣٩٦] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ) [التوبة : ٦٤] ، وسور القرآن إنما تنزل على النبي صلىاللهعليهوسلم لا على المنافقين؟