[٩] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : ١٥]. والاستهزاء من باب العبث والسخرية. وهو قبيح. والله تعالى منزّه عن القبيح؟
قلنا : سمّي جزاء الاستهزاء استهزاء مشاكلة ؛ كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠]. فالمعنى : الله يجازيهم جزاء استهزائهم.
[١٠] فإن قيل : ما الفائدة في قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) [البقرة : ١٩] ومعلوم أنّ الصيّب لا يكون إلّا من السماء؟
قلنا : فائدته أنه ذكر السماء معرفة وأضافه إليها ليدلّ على أنّه من جميع آفاقها ، لا من أفق واحد ، إذ كلّ أفق يسمّى سماء. قال الشّاعر :
ومن بعد أرض بيننا وسماء
[١١] فإن قيل : كيف قال : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢٢] ، مع أنّ المشركين لم يكونوا عالمين أنه لا ندّ له ، ولا شريك له ؛ بل كانوا يعتقدون أنّ له أندادا وشركاء؟
قلنا : معناه وأنتم تعلمون أنّ الأنداد لا يقدرون على شيء ممّا سبق ذكره في الآية ، أو وأنتم تعلمون أنّه ليس في التّوراة والإنجيل جواز اتّخاذ الأنداد.
[١٢] فإن قيل : كيف قال : (فَاتَّقُوا النَّارَ) [البقرة : ٢٤] ، فعرّف النار هنا ، ونكّرها في سورة التّحريم؟
قلنا : لأنّ الخطاب في هذه مع المنافقين ، وهم في أسفل النار المحيطة بهم ، فعرّفت بلام الاستغراق أو العهد الذّهني ، وفي تلك مع المؤمنين ، والذي يعذّب من عصاتهم بالنّار يكون في جزء من أعلاها ، فناسب تنكيرها لتقللها.
وقيل : لأنّ تلك الآية نزلت بمكّة ، قبل هذه الآية ، فلم تكن النار التي وقودها
__________________
[١٠] صيّب : على وزن فيعل ، مأخوذ من صاب يصوب ، والمراد به المطر أو السحاب. كقول علقمة بن عبدة :
فكأنّما صابت عليه سحابة |
|
صواعقها لطير هنّ دبيب |
ـ الشاهد الذي ذكره الرّازي عجز بيت حكاه الفراء في كتابه معاني القرآن عن أبي الجراح. والبيت بتمامه :
فأوّه من الذّكرى إذا ما ذكرتها |
|
ومن بعد أرض بيننا وسماء |
وقوله : أوّه (مأخوذ من يتأوّه له) لغة في بني عامر ، على ما ذكر الفرّاء. يراجع معاني القرآن ، مج ٢ ص ٢٣.
وقد وهم بعض فروى صدر البيت كالتالي :
فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها |
|
....... |