أن يرجع عن وصيته التي أوصى بها أهله ؛ فمات مسلما ، فلذلك غفر له.
[٤٩٣] فإن قيل : في قوله تعالى : (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) [يوسف : ١٠٠] كيف جاز لهم أن يسجدوا لغير الله تعالى؟
قلنا : لعله كان السجود عندهم تحية وتكرمة كالقيام والمصافحة عندنا. وقيل : كان انحناء كالركوع ولم يكن بوضع الجبهة على الأرض ، إلا أن قوله تعالى : (وَخَرُّوا) يأبى ذلك ، لأن الخرور عبارة عن السقوط ، ولا يرد عليه قوله تعالى : (وَخَرَّ راكِعاً) [ص : ٢٤] لأنهم قالوا أراد به ساجدا فعبر عن السجود بالركوع كما عبر عن الصلاة في قوله تعالى : (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة : ٤٣] أي صلوا مع المصلين.
وقيل له : أي لأجله ، فاللام للسببية لا لتعدية السجود إلى يوسف عليهالسلام ، فالمعنى وخروا لأجل يوسف سجدا لله تعالى شكرا على جمع شملهم به. وقيل : الضمير في له يعود إلى الله تعالى ، وهذا الوجه يدفعه قوله تعالى : (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) [يوسف : ١٠٠].
[٤٩٤] فإن قيل : كيف ذكر يوسف عليهالسلام نعمة الله تعالى عليه في إخراجه من السجن فقال : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) [يوسف : ١٠٠] ولم يذكر نعمته عليه في إخراجه من الجب وهو أعظم نعمة ؛ لأن وقوعه في الجب كان أعظم خطرا؟
قلنا : إنما ذكر هذه النعمة دون تلك النعمة لوجوه :
أحدهما : أن محنة السجن ومصيبته كانت أعظم لطول مدتها ، فإنه لبث فيه بضع سنين وما لبث في الجب إلا مدة يسيرة.
الثاني : أنه إنما لم يذكر الجب كيلا يكون في ذكره توبيخ وتقريع لإخوته عند قوله لهم : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) [يوسف : ٩٢].
الثالث : أن خروجه من السجن كان مقدمة لملكه وعزه فلذلك ذكره ، وخروجه من الجب كان مقدمة الذل والرق والأسر فلذلك لم يذكره.
الرابع : أن مصيبة السجن كانت أعظم عنده لمصاحبة الأوباش والأراذل وأعداء الدين ، بخلاف مصيبة الجب فإنه كان مؤنسه فيه جبريل وغيره من الملائكة عليهمالسلام.
[٤٩٥] فإن قيل : كيف قال يوسف : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً) [يوسف : ١٠١] وهو يعلم أنّ كلّ نبي لا يموت إلّا مسلما؟
قلنا : يجوز أن يكون دعا بذلك في حالة غلبة الخوف عليه غلبة أذهلته عن ذلك العلم في تلك الساعة.