[٥٠٧] فإن قيل : ما معنى التبعيض في قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [إبراهيم : ١٠]؟
قلنا : ما جاء هذا إلا في خطاب الكافرين كقوله تعالى في سورة نوح عليهالسلام : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [نوح : ٤] وقوله تعالى ، في سورة الأحقاف : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [الأحقاف : ٣١] وقال تعالى في خطاب المؤمنين في سورة الصف : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ) [الصف : ١٠] إلى قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الصف : ١٢] وقال تعالى ، في آخر سورة الأحزاب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الأحزاب : ٧٠ ، ٧١] ، وكذا باقي الآيات في خطاب الفريقين إذا تتبعتها ، وما ذلك إلا للتفرقة بين الخطابين لئلا يسوى بين الفريقين في الوعد مع اختلاف رتبتهما ، لا لأنه يغفر للكفار مع بقائهم على الكفر بعض ذنوبهم ، والذي يؤيد ما ذكرناه من العلة أنه في سورة نوح عليهالسلام وفي سورة الأحقاف وعدهم مغفرة بعض الذنوب بشرط الإيمان مطلقا. وقيل : معنى التبعيض أنه يغفر لهم ما بينهم وبينه لا ما بينهم وبين العباد من المظالم ونحوها.
وقيل : «من» زائدة.
[٥٠٨] فإن قيل : كيف كرر تعالى الأمر بالتوكل وكيف قال أوّلا (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [إبراهيم : ١١] وقال ثانيا : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم : ١٢]؟
قلنا : الأمر الأول لاستحداث التوكل ، والثاني لتثبيت المتوكلين على ما استحدثوا من توكلهم فلهذا كرره ، وقال أولا المؤمنون وثانيا المتوكلون.
[٥٠٩] فإن قيل : كيف قالوا لرسلهم (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [إبراهيم : ١٣] والرسل لم يكونوا على ملة الكفار قط ، والعود هو الرجوع إلى ما كان فيه الإنسان؟
قلنا : العود في كلام العرب يستعمل كثيرا بمعنى الصيرورة ، يقولون : عاد فلان يكلمني ، وعاد لفلان مال وأشباه ذلك ، ومنه قوله تعالى : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [يس : ٣٩].
الثاني : أنهم خاطبوا الرسل بذلك بناء على زعمهم الفاسد واعتقادهم أن الرسل كانوا أولا على ملل قومهم ثم انتقلوا عنها.
الثالث : أنهم خاطبوا كل رسول ومن آمن به فغلبوا في الخطاب الجماعة على الواحد ، ونظير هذا السؤال ما سبق في سورة الأعراف من قوله تعالى : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [إبراهيم : ١٣] وفي سورة يوسف عليهالسلام من قوله تعالى : (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يوسف : ٣٧] الآية.