[٥١٠] فإن قيل : كيف طابق الجواب السؤال في قوله تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) [إبراهيم : ٢١].
قلنا : لما كان قول الضعفاء توبيخا وتقريعا وعتابا للذين استكبروا على استتباعهم إياهم واستغوائهم ، أحالوا الذنب على الله تعالى في ضلالهم وإضلالهم ، كما قالوا : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام : ١٤٨] و (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) [النحل : ٣٥] يقولون ذلك في الآخرة كما كانوا يقولون في الدنيا ، كما حكى الله تعالى عن المنافقين : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) [المجادلة : ١٨] الآية.
وقيل : معنى جوابهم : لو هدانا الله في الآخرة طريق النجاة من العذاب لهديناكم ، أي لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة في الدنيا.
[٥١١] فإن قيل : كيف اتصل وارتبط قولهم : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا) [إبراهيم : ٢١] بما قبله؟
قلنا : اتصاله به من حيث إن عتاب الضعفاء للذين استكبروا كان جزعا مما هم فيه وقلقا من ألم العذاب ، فقال لهم رؤساؤهم : (لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) [إبراهيم : ٢١] يريدون أنفسهم وإياهم لاجتماعهم في عقاب الضلالة التي كانوا مجتمعين عليها في الدنيا ، كأنهم قالوا للضعفاء : ما هذا الجزع والتوبيخ ، ولا فائدة فيه كما لا فائدة في الصبر ، فإن الأمر أعظم من ذلك وأعم.
[٥١٢] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) [إبراهيم : ٢٢] عبر عنه بلفظ الماضي ، وذلك القول من الشيطان لم يقع بعد وإنّما هو مترقب منتظر يقوله يوم القيامة؟
قلنا : يجوز وضع المضارع موضع الماضي ، ووضع الماضي موضع المضارع إذا أمن اللبس ، قال الله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) [البقرة : ١٠٢] أي ما تلت ، وقال تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ) [البقرة : ٩١] وقال الحطيئة الشاعر :
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه |
|
أنّ الوليد أحقّ بالغدر |
فقوله : (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) [البقرة : ١٠٢] نفى اللبس ، وكذا قوله تعالى : (مِنْ
__________________
[٥١٢] البيت في ديوان الحطيئة. ويروى : بالعذر بدل بالغدر.