تنفعهم متاجر الدنيا من المعاوضات والصدقات التي يجلبونها بالهدايا والتحف لتحصيل المنافع الدنيوية ، فجاءت المطابقة.
[٥١٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) [إبراهيم : ٣١] ، أي لا صداقة ، وفي يوم القيامة خلال لقوله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٦٧] ولقوله عليه الصلاة والسلام : «المرء مع من أحبّ»؟
قلنا : لا خلال فيه لمن لم يقم الصلاة ولم يؤد الزكاة. فأمّا المقيمون الصلاة والمؤتون الزّكاة فهم الأتقياء ، وبينهم الخلال يوم القيامة ، لما تلونا من الآية.
[٥١٧] فإن قيل : كيف قال : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) [إبراهيم : ٣٣] والمسخّر للإنسان هو الذي يكون في طاعته يصرّفه كيف شاء في أمره ونهيه كالدّابة والعبد والفلك ، كما قال تعالى : (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) [الزخرف : ١٣] ، وقال تعالى : (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) [الزخرف : ٣٢] ، وقال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ) [إبراهيم : ٣٢]. ويقال : فلان مسخّر لفلان إذا كان مطيعا له وممتثلا لأوامره ونواهيه؟
قلنا : لمّا كان طلوعهما وغروبهما وتعاقب اللّيل والنهار لمنافعنا متّصلا مستمرا اتصالا لا تنقطع علينا فيه المنفعة ولا تنخرم ، سواء شاءت هذه المخلوقات أم أبت ، أشبهت المسخّر المقهور في الدنيا ، كالعبد والفلك ونحوهما.
والثّاني : أنّ معناه أنّها مسخّرة لله لأجلنا ومنافعنا. فإضافة التّسخير إلى الله تعالى ، بمعنى أنّه فاعل التسخير ، وإضافة التّسخير إلينا بمعنى عود نفع التّسخير إلينا ، فصحّت الإضافتان.
[٥١٨] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) [إبراهيم : ٣٤] والله تعالى لم يعطنا كل ما سألناه ولا بعضا من كل فرد مما سألناه؟
قلنا : معناه : وآتاكم بعضا من جميع ما سألتموه لا من كلّ فرد فرد.
[٥١٩] فإن قيل : لا يصح هذا المحمل لوجهين :
أحدهما : أنه لا يحسن الامتنان به.
الثّاني : أنه لا يناسبه قوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : ٣٤]؟
قلنا : إذا كان البعض الّذي أعطانا هو الأكثر من جميع ما سألناه وهو الأصلح والأنفع لنا في معاشنا ومعادنا بالنّسبة إلى البعض الذي منعه عنّا لمصلحتنا ، أيضا ؛ لا يحسن الامتنان به ، ويكون مناسبا لما بعده.
__________________
[٥١٦] الحديث أخرجه أحمد في مسنده : ١ / ٣٩٢.