الثاني : أن قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) إشارة إلى تفضيل محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقوله : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) دلالة على وجه تفضيله وهو أنه خاتم الأنبياء وأن أمته خير الأمم ؛ لأن ذلك مكتوب في زبور داود عليه الصلاة والسلام ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء : ١٠٥] يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم وأمته.
[٥٩٨] فإن قيل : لم نكر الزبور هنا وعرفه في قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) [الأنبياء : ١٠٥]؟
قلنا : يجوز أن يكون الزّبور من الأعلام التي تستعمل بالألف واللام وبغيرهما كالعباس والفضل والحسن ونحوها.
الثاني : أنه نكره هنا لأنه أراد وآتينا داود بعض الزبور وهي الكتب.
الثالث : أنه نكره لأنه أراد به ما ذكر فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الزبور ، فسمى ذلك زبورا ؛ لأنه بعض الزبور ، كما سمى بعض القرآن قرآنا ، فقال تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) [الإسراء : ١٠٦] الآية ، وقال : (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) [يوسف : ٣] وأراد به سورة يوسف عليهالسلام ، وقال : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) [الإسراء : ٧٨] أي القرآن المتلو في صلاة الفجر.
[٥٩٩] فإن قيل : قوله تعالى : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) [الإسراء : ٤٨] (كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ) [الإسراء : ٥٦] مغن عن قوله تعالى : (وَلا تَحْوِيلاً) [الإسراء : ٥٦] لأنهم إذا لم يستطيعوا كشف الضر لا يستطيعون تحويله ، لأن تحويل الضر نقله من محل وإثباته في محل آخر ، ومنه تحويل الفراش والمتاع وغيرهما ، وكشف الضر مجرد إزالة ، ومن لا يقدر على الإزالة وحدها فكيف يقدر على الإزالة مع الإثبات؟ والمراد بالآية كشف الضر والمرض والقحط ونحوها؟
قلنا : التحويل له معنيان : أحدهما ما ذكرتم. والثاني التبديل ، ومنه قولهم : حوّلت القميص قباء ، والفضة خاتما ؛ وأريد بالتبديل هنا الكشف ؛ لأن في الكشف المنفي في الآية تبديلا ؛ فإن المرض متى كشف يبدل بالصحة ، والفقر متى كشف يبدل بالغنى ، والقحط متى كشف يبدل بالخصب ، وكذا جميع الأضداد ، فأطلق التبديل
__________________
[٥٩٩] ـ يبدو أن مراد الرازي هو قوله تعالى : (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) [الإسراء : ٥٦] وقد جاءت كلمة يستطيعون بدل يملكون سهوا منه.
ـ وقوله في الجواب : «وأريد بالتبديل هنا الكشف ، الخ» فيه من الضعف وركاكة المعنى ما لا يخفى ، فلاحظ!