تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء : ٤٤] ؛ لأنّ التسبيح بلسان الحال مفقوه لنا ، أي مفهوم ومعلوم؟
قلنا : الخطاب بقوله تعالى : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) للكفار ، وهم مع تسبيحهم بلسان الحال لا يفقهون تسبيح الموجودات على ما ذكرنا من التفسير ؛ لأنّهم لما جعلوا لله شركاء وزوجا وولدا دل ذلك على عدم فهمهم التسبيح للموجودات وتنزيهها وعدم إيضاح دلائل الوحدانية لهم ؛ لأن الله تعالى طبع على قلوبهم.
[٥٩٥] فإن قيل : (وَمَنْ فِيهِنَ) وهم الملائكة والثقلان يسبحون حقيقة والسموات والأرض والجمادات تسبح مجازا ، فكيف جمع بين إرادة الحقيقة والمجاز من لفظ واحد وهو قوله : (تُسَبِّحُ)؟
قلنا : التّسبيح المجازي بلسان الحال حاصل من الجميع ، فيحمل عليه دفعا لما ذكرتم من المجاز.
[٥٩٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٥٢] ، والمستعمل الشائع دعاه فاستجاب لأمره أو بأمره ، أي أجاب؟
قلنا : قال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد بقوله تعالى : (بِحَمْدِهِ) بأمره.
وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : إذا دعا الله الخلائق للبعث يخرجون من قبورهم وهم ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون : سبحانك اللهم وبحمدك. وقال غيره وهم يقولون : الحمد لله الذي صدقنا وعده ، فعلى هذا تكون الباء بمعنى مع كما في قوله تعالى : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] وقوله تعالى : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [طه : ١٣٠].
[٥٩٧] فإن قيل : كيف أجمل ذكر الأنبياء كلهم بقوله : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) [الإسراء : ٥٥] ثم خص داود بالذكر فقال : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) [الإسراء : ١٧].
قلنا : لأنه اجتمع له ما لم يجتمع لغيره من الأنبياء ، وهو الرسالة والكتابة والخطابة والخلافة والملك والقضاء في زمن واحد ، قال الله تعالى : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) [ص : ٢٠] وقال : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) [ص : ٢٦].
__________________
[٥٩٥] ـ في السؤال وجوابه نظر ظاهر. فتأمل!
] [٥٩٦] سعيد بن جبير : هو سعيد بن جبير الأسدي بالولاء ، الكوفي ، من التابعين. كان من علمائهم البارزين. أخذ العلم عن ابن عباس. وكان الأخير يحيل الناس عليه في الفتيا. ثار ضد الأمويين.
وقتله الحجاج بواسط سنة ٩٥ ه. وكانت ولادته سنة ٤٥ ه.