المرسل بنفسه ، وإلى المرسل به بالباء ، وإلى المرسل إليه بإلى ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) [هود : ٩٦ ، ٩٧].
وعن الثالث : أن الضمير في قوله تعالى بها عائد إلى جنس الآيات المقترحة لا إلى هذه الآيات المقترحة ، كأنه تعالى قال : وما منعنا أن نرسل بالآيات المقترحة إلا تكذيب من قبلهم بالآيات المقترحة ، يريد المائدة والناقة ونحوهما مما اقترحه الأولون على أنبيائهم.
وعن الرابع : أن سنة الله تعالى في عباده أنّ من اقترح على الأنبياء آية وأتوه بها فلم يؤمن عجل الله هلاكه ، والله تعالى لم يرد هلاك مشركي مكة ؛ لأنه تعالى علم أنه يولد منهم من يؤمن ، أو لأنه قضى وقدّر في سابق علمه بقاء من بعث إليهم محمد صلىاللهعليهوسلم إلى يوم القيامة ، فلو أرسل بالآيات التي اقترحوها فلم يؤمنوا لأهلكهم ، وحكمته اقتضت عدم إهلاكهم ، فلذلك لم يرسلها ، فيصير معنى الآية : وما منعنا أن نرسل بالآيات المقترحة عليك إلا أن كذب بالآيات المقترحة الأولون فأهلكوا ، فربما كذب بها قومك فأهلكوا.
وعن الخامس : أنه تعالى لما أخبر أن الأولين كذبوا بالآيات المقترحة عيّن منها واحدة وهي ناقة صالح عليهالسلام ؛ لأن آثار ديارهم المهلكة في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم.
وعن السادس : أن معنى مبصرة دالة ، كما يقال الدليل مرشد وهاد. وقيل :
مبصرا بها ، كما يقال : ليل نائم ونهار صائم : أي ينام فيه ويصام فيه. وقيل : معناه مبصرة ، يعني أنها تبصّر الناس صحة نبوة صالح عليهالسلام ، ويعضد هذا قراءة من قرأ (مبصرة) بفتح الميم والصاد : أي تبصرة. وقيل : مبصرة صفة لآية محذوفة ، تقديره : آية مبصرة : أي مضيئة بينة.
وعن السابع : أن الباء ليست لتعدية الظلم إلى الناقة ؛ بل معناه : فظلموا أنفسهم بقتلها أو بسببها. وقيل : الظلم هنا الكفر ، فمعناه : فكفروا بها ؛ فلما ضمن الظلم معنى الكفر عداه تعديته.
وعن الثامن : أن المراد بالآيات ثانيا العبر والدلالات لا الآيات التي اقترحها أهل مكة.
[٦٠١] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) [الإسراء : ٦٠] وليس في القرآن لعن شجرة ما؟
قلنا : فيه إضمار تقديره : والشجرة الملعونة المذكورة في القرآن.