الثاني : أن معناه : الملعون آكلوها وهم الكفرة.
الثالث : أن الملعونة يعني المذمومة كذا قال ابن عباس رضى الله عنهما ، وهي مذمومة في القرآن بقوله تعالى : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) [الدخان : ٤٣ ، ٤٤] وبقوله تعالى : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) [الصافات : ٦٥].
الرابع : أن العرب تقول لكل طعام مكروه أو ضار ملعون ، وفي القرآن الإخبار عن ضررها وكراهتها.
الخامس : أن اللعن في اللغة الطرد والإبعاد ، والملعون هو المطرود عن رحمة الله تعالى المبعد ، وهذه الشجرة مطرودة مبعدة عن مكان رحمة الله تعالى وهو الجنة لأنها في قعر جهنم وهذا الإبعاد والطرد مذكور في القرآن بقوله تعالى : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٦٤] وقال ابن الأنباري : سميت ملعونة لأنها مبعدة عن منازل أهل الفضل.
[٦٠٢] فإن قيل : كيف خص أصحاب اليمين بقراءة كتبهم بقوله تعالى : (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) [الإسراء : ٧١] ولم خصهم بنفي الظلم عنهم بقوله تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [الإسراء : ٧١] مع أن أصحاب الشمال يقرءون كتابهم ولا يظلمون أيضا؟
قلنا : إنما خص أصحاب اليمين بذكر القراءة ؛ لأن أصحاب الشمال إذا رأوا ما في كتبهم من الفضائح والقبائح أخذهم من الحياء والخجل والخوف ما يوجب حبسة اللسان وتتعتع الكلام والعجز عن إقامة الحروف ، فتكون قراءتهم كلا قراءة ؛ فأما أصحاب اليمين فأمرهم على عكس ذلك ، لا جرم أنهم يقرءون كتابهم أحسن قراءة وأبينها ، ولا يقنعون بقراءتهم وحدهم حتى يقول القارئ لأهل المحشر (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] وأما قوله تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) فهو عائد إلى كل الناس لا إلى أصحاب اليمين.
الثاني : أنه عائد إلى أصحاب اليمين خاصة ، وإنما خصصهم بذلك لأنهم يعلمون أنهم لا يظلمون ، ويعتقدون ذلك بخلاف أصحاب الشمال فإنهم يعتقدون أو يظنون أنهم يظلمون ، ويعضد هذا الوجه قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) [طه : ١١٢].
[٦٠٣] فإن قيل : كيف قال موسى عليهالسلام لفرعون (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ)
__________________
[٦٠٣] الكسائي : هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان من ولد بهمن بن فيروز مولى بني أسد ، النحوي. عالم بالقراءات واللغة والنحو. توفي سنة ١٨٩ ه. أخذ القراءة عن حمزة ، وعن محمد بن أبي ليلى ، وعيسى بن عمر الهمداني.