[٦١١] فإن قيل : كيف جاء تعالى بسين الاستقبال في الفعل الأول دون الآخرين في قوله تعالى : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ) [الكهف : ٢٢] الآية؟
قلنا : أراد دخول الفعلين الآخرين في حكم الأول بمقتضى العطف ، فاقتصر على ذكر السين في الأول إيجازا واقتصارا كما تقول : زيد قد يخرج ويركب ، تريد وقد يركب.
[٦١٢] فإن قيل : كيف دخلت الواو في الجملة الثالثة دون الأولين وهي قوله :
(وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الكهف : ٢٢].
قلنا : قال بعض المفسرين هي واو الثمانية. وقد ذكرنا مثلها في آخر سورة التوبة.
وقال الزّجاج : دخول هذه الواو وخروجها سواء في صفة النكرة ، وجاء القرآن بهما.
وقال غيره : الواو مرادة في الجملتين الأوليين وإنما حذفت فيهما تخفيفا ، وأتى بها في الجملة الثالثة دلالة على إرادتها فيهما. ويرد على هذا القول ، أنه لو كان كذلك لكانت مذكورة في الجملة الأولى ، محذوفة في الجملة الثانية والثالثة ، ليدل ذكرها أوّلا على حذفها بعد ذلك ، كما سبق في سين الاستقبال.
وقال الزمخشري وغيره : هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة ، كما تدخل على الصفة الواقعة حالا من المعرفة ، تقول : جاءني رجل ومعه آخر ، ومررت بزيد وفي يده سيف ، ومنه قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤] وفائدتها توكيد اتصال الصفة بالموصوف ، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر ، وهذه الواو هي التي أذنت بأن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس ولم يرجموا بالظن كما رجم غيرهم ، والدليل عليه أن الله تعالى أتبع القولين الأولين قوله (رَجْماً بِالْغَيْبِ) [الكهف : ٢٢] وأتبع القول الثالث قوله : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) [الكهف : ٢٢].
وقال ابن عباس : وقعت الواو لقطع العدد : أي لم يبق بعدها عدد عاد يلتفت إليه ، ويثبت أنهم سبعة وثامنهم كلبهم على القطع والبتات.
وقال الثعلبي : هذه واو الحكم والتحقيق ، كأنّ الله تعالى حكى اختلافهم فتم
__________________
[٦١٢] الثعلبي : هو أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أبو إسحاق : مفسر واشتغل بالتاريخ. توفي سنة ٤٢٧ ه. من مؤلفاته : عرائس المجالس (في قصص الأنبياء) ، الكشف والبيان في تفسير القرآن ، يعرف بتفسير الثعلبي.