الكلام عند قوله سبعة ، ثم حكى بأن ثامنهم كلبهم باستئنافه الكلام ، فحقق ثبوت العدد الأخير ؛ لأن الثامن لا يكون إلا بعد السبعة ، فعلى هذا يكون قوله : (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الكهف : ٢٢] من كلام الله تعالى حقيقة أو تقديرا.
ويرد على هذا أن قوله تعالى بعد هذه الواو (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) [الكهف : ٢٢] وقوله تعالى : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) [الكهف : ٢٢] يدل على بقاء الإبهام وعدم زوال اللبس بهذه الواو.
[٦١٣] فإن قيل : كيف قال : (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) [الأنعام : ١١٥] وقال في موضع آخر : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) [النحل : ١٠١] ويلزم من تبديل الآية بالآية تبديل الكلمات فكيف الجمع بينهما؟
قلنا : معنى الأول لا مغير للقرآن من البشر ، وهو جواب لقولهم للنبي صلىاللهعليهوسلم : ائت بقرآن غير هذا أو بدله.
الثاني : أن معناه لا خلف لمواعيده ولا مغير لحكمه ، ومعنى الثاني النسخ والتبديل من الله تعالى فلا تنافي بينهما.
[٦١٤] فإن قيل : قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] إباحة وإطلاق للكفر؟
قلنا : قال ابن عباس رضي الله عنهما معناه : فمن شاء ربكم فليؤمن ومن شاء ربكم فليكفر ، يعني لا إيمان ولا كفر إلا بمشيئته.
الثاني : أنه تهديد ووعيد.
الثالث : أن معناه لا تنفعون الله بإيمانكم ولا تضرونه بكفركم ، فهو إظهار للغنى لا إطلاق للكفر.
[٦١٥] فإن قيل : لبس الأساور في الدنيا عيب للرّجال ، ولهذا لا يلبسها من يلبس الذهب والحرير من الرجال ، فكيف وعدها الله تعالى المؤمنين في الجنّة في قوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) [الكهف : ٣١]؟
قلنا : كانت عادة ملوك الفرس والروم لبس الأساور والتيجان مخصوصين بها دون من عداهم ، فلذلك وعدها الله تعالى المؤمنين ؛ لأنهم ملوك الآخرة.
[٦١٦] فإن قيل : كيف أفرد الله تعالى الجنة بعد التثنية فقال : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) [الكهف : ٣٥]؟
قلنا : أفردها ليدل على الحصر ، معناه : ودخل ما هو جنته لا جنة له غيرها ولا نصيب له في الجنة التي وعد المتقون ، بل ما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير ، ولم يقصد جنة معينة منهما بل جنس ما كان له.